أسئلة كثيرة طفت إلى السطح أمس، تبدأ بسبب كل هذا الصخب حول ضربة لا تحتاج إلا لأمر وساعات للتنفيذ، وتمر بالتعجب من هذا الحرص المستجد على الشرعية الدولية، ولا تنتهي بتنامي جبهة الرفض الدولية لعمل عسكري ضد سوريا. حتى تكرست بعض القناعات التي أشرت منذ اليوم الأول إلى إمكانية أن يكون كل هذا التهويل مجرد قرع طبول هدفه تحريك المياه الراكدة باتجاه طاولة التفاوض، وإن كان احتمال خروج الأمور عن السيطرة لا يزال قائماً، في ظل واقع وجدت واشنطن نفسها فيه حيث باتت كل خياراتها تتهددها بخسائر إضافية. لكن القنبلة المفاجأة كانت أمس كلاماً لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، أدلى به في اجتماع مغلق، وتعمد الإيرانيون تسريبه لوسائل الإعلام، أكد فيه أن «بلاد الشام هي معراجنا إلى السماء وستكون مقبرة الأميركيين»، مشدداً على أن «أي جندي أميركي ينزل من طائرته أو يغادر بارجته إلى سوريا عليه أن يحمل تابوته معه». خطوة جاءت في ختام يوم طويل من التصعيد الكلامي الإيراني كان قد بدأه المرشد علي خامنئي بتحذيرات من أن المنطقة على فوهة بركان، جاءت في خلال اجتماعه بأعضاء الحكومة.
ولعل أول المؤشرات على التريث الغربي تأكيد الرئيس باراك أوباما أمس أنه لم يتخذ بعد أي قرار بشأن سوريا، مشيراً إلى أنه يبحث مجموعة من الخيارات، بينها الخيار العسكري. هناك أيضاً تلك الجلسة التي عقدها مجلس الأمن أمس من دون الوصول إلى أي نوع من التفاهم على مشروع قرار بريطاني «يدين استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، ويدعو إلى اتخاذ تدابير لحماية المدنيين»، وتبدو «فرص تبنيه ضعيفة بسبب المعارضة الروسية»، على ما أفادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف. ويصر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في اتصال هاتفي مع نظيره البريطاني ويليام هيغ، «على ضرورة عدم اتخاذ قرار ضد سوريا قبل صدور تقرير فريق المفتشين الدوليين في سوريا».
كان لافتاً أمس تأكيد الحكومة البريطانية أنها لن تشارك في أي تحرك عسكري في سوريا قبل معرفة نتائج تحقيقات خبراء الأمم المتحدة بشأن استخدام أسلحة كيميائية في النزاع السوري، فيما أشار وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس إلى أن «الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند سيتخذ في الوقت المناسب قرارات ضرورية تتعلق بالرد على استخدام السلاح الكيميائي في سوريا». وبعد اجتماع طارئ لمجلس الدفاع الفرنسي، أوضح أن «الاجتماع ناقش جميع إمكانيات الرد، دبلوماسياً وعسكرياً». حتى وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو، رأس الحربة في التحريض على الضربة العسكرية، رأى أنّ «مواقف روسيا والصين فاقمت الأزمة السورية»، لافتاً إلى أن «جميع الخيارات متاحة في الأزمة السورية، كذلك في حال حدوث ضربة عسكرية، فإنها ستكون موجهة ومدروسة لكي لا تسبب دخول هذه البلاد في ظلام كبير».
وحثّ أعضاء في الكونغرس أوباما على التشاور معهم قبل اتخاذ أي قرار بشأن الهجوم على سوريا، بينما اشتكى البعض من أنهم لم يحاطوا علماً بكل التفاصيل.
في المقابل، أكد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني خلال اتصال هاتفي بينهما أن استخدام الأسلحة الكيميائية غير مقبول، وشددا على الحاجة إلى السعي للوصول إلى حل سياسي في سوريا. ووصف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي أعلن حالة التأهب في صفوف القوات المسلحة العراقية، التدخل العسكري الغربي المحتمل في سوريا بـ«الطريق المسدود الذي يؤدي إلى المآسي».
وأعلن وزيرا خارجية إيطاليا وسويسرا في اتصالين هاتفيين مع نظيرهما الإيراني معارضة بلديهما لمهاجمة سوريا، فيما رأى وزير خارجية النروج إسبن بارث إيد، أنّ «من المهم أن يكون استخدام القوة لغير الدفاع عن النفس، مستنداً إلى القانون الدولي». أما وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رينديرز، فأكد أنّ بلاده «ما زالت غير مقتنعة بشرعية التدخل العسكري في سوريا».

الاستعدادات بالأردن

أبلغ دبلوماسي عربي «الأخبار» بمعلومات عن انتقال فرق عسكرية أميركية وبريطانية وفرنسية خلال اليومين الماضيين إلى الحدود الأردنية – السورية، بعدما كانت تتمركز في منطقة صحراوية في الجنوب.
وقال الدبلوماسي إن التبريرات لهذه التحركات هو الإشارة إلى احتمال اضطرار حلف الأطلسي إلى إرسال مجموعات عسكرية إلى مواقع معينة في سوريا، حيث يعتقد بوجود مخازن للسلاح الكيميائي. إضافة إلى خيار آخر، يتمثل في احتمال قيام منطقة عازلة على الحدود كما هو مأمول من قبل السعودية وقوى المعارضة، التي تأمل تكرار الأمر نفسه في المناطق الشمالية على الحدود مع تركيا. أما بشأن الإجراءات الأردنية، فقد كشف المصدر عن عملية سرية سريعة جرت خلال الأسبوع الماضي، نُقلت خلالها منظومات دفاع جوي من السعودية إلى الأردن، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الأقنعة المضادة للسلاح الكيميائي، لافتة إلى أنه إذا تقررت الضربة، فإن الملك الأردني سيضع جيشه في حالة استنفار قصوى.