«إذا استخدمنا ضد سوريا الأسلحة ذات التكنولوجيا المتطورة جداً، فهل يفهم السوريون والمجتمع الدولي ما الذي سيعنيه الهجوم بتلك الأسلحة؟»، سأل بعض المحللين العسكريين وأردفوا: «لذا، سنستخدم الأسلحة التقليدية مثل صواريخ توماهوك... هم يعرفونها ولها سوابق في المنطقة، لذا لن تسبب الكثير من الضبابية». هكذا حلل المتخصصون الحربيون لجوء الجيش الأميركي إلى «الأسلحة التقليدية»، وخصوصاً صواريخ «توماهوك» في الهجمة المزعومة على سوريا.
و«توماهوك» يعشق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ كانت ملعبه المفضّل منذ ابتكر قبل نحو 30 سنة. فتلك الصواريخ كانت أساسية في كل الهجمات الأميركية على العراق (1991، 1993، 1996، 1998، 2003)، والسودان (1998)، واليمن (2009)، وليبيا (2011). كذلك استخدمت في كوسوفو وأفغانستان.
«توماهوك» أو الصاروخ التكتيكي الذكي الذي يحمل رؤوساً نووية، لا يتأثر بالأحوال الجوية وهو بعيد المدى ويستعمل لإصابة أهداف برية. حجمه صغير ويتمتّع بقدرته على الطيران المنخفض، ما يجعل اكتشافه صعباً بواسطة الرادارات.
يمكن التحكّم بمساره عن بعد وفق نظام رادار دقيق. لكن «دقّة» «توماهوك» في إصابة الأهداف ليست مكفولة. فوزارة الدفاع الأميركية لم تصدر في التسعينيات أي تقرير يشير إلى عدد الضحايا المدنيين أو «الإصابات الجانبية» التي سببتها تلك الصواريخ في حروب الخليج. المصنّعون يقولون إنّ هناك نحو تسع فئات من الـ«توماهوك» يمكن إطلاقها من بطاريات برية أو من على متن غواصات وقد تصل دقّة أهدافها إلى 85%.
ولكن، مع التكنولوجيا المتطورة المستخدمة في تلك الصواريخ، «باتت توماهوك كالسيارات من دون سائق، مع فارق أن سرعتها تقارب جدار الصوت، وهي تقتل الناس»، يصفها أحد المتخصصين العسكريين.
وهذا بالتحديد ما يتحاشى المصنّعون والإعلام المتخصص والرسميون التحدث عنه، أي الخسائر البشرية التي قد تسببها تلك الصواريخ «الذكية».
ففضلاً عن هامش الخطأ الذي يعترف به الجميع، أوقعت تلك الصواريخ أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين خلال الهجمات المتكررة على العراق. السبب؟ يقول بعض الباحثين إن تلك الصواريخ «قد توقع ضحايا مدنيين في المنطقة التي تسقط فيها» أو «إذا انحرفت عن مسارها وأضاعت الهدف المحدد».
وفي أغلب الأحيان، دائماً حسب تصريحات المتخصصين، إن الصواريخ التي قد تطلق لاعتراض «توماهوك» هي التي تسبب بانحرافه عن مساره، ما يؤدي إلى سقوطه في أماكن قد تكون مأهولة، وهذا ما حصل في العراق عام 1993 مثلاً.
الحديث عن الإصابات المدنية هو ما لن تجده موثقاً في سجلات «توماهوك» والحروب الأميركية؛ إذ إن التقارير التي ما زالت تصدر عن كوارث العدوان على العراق الأخير (2003) تثبت أن لا صواريخ يمكن أن تكون «ذكية» على نحو كاف لتجنّب وقوع خسائر بشرية، وأنّ القنابل التي تطلق والمواد التي تنفجر كفيلة بالتسبب بأمراض وتشوهات لأجيال متلاحقة.
وفي هذا الإطار، أعادت صحيفة «ذي اندبندنت» أمس نشر مقال معدّ في عام 2010 يشير الى الفظائع التي سببتها الهجمات الأميركية على الفلّوجة في العراق (2004)، وخصوصاً لجهة موت الأجنّة والأطفال في عمر مبكر وتشوّه الأولاد حتى يومنا هذا.
المقال يستند إلى تقارير طبية تظهر ارتفاعاً في نسبة الإصابات بالسرطان لدى الأطفال والكبار، بدرجة ملحوظة.
وحتى الآن، تملك الولايات المتحدة 5 مدمّرات في شرق البحر المتوسط تستطيع كل منها أن تحمل نحو 96 صاروخ «توماهوك».
أما الغواصات فعددها 58 غواصة قادرة على إطلاق صواريخ «توماهوك» من بينها 4 صممت خصيصاً لتكون قادرة على حمل 154 صاروخاً.




«أم توماهوك» ترقص!

في غمرة التصعيد العسكري على سوريا والتوتر الذي يسود الأجواء الدولية، هناك من انفرجت أساريره في الأيام الماضية. هي شركة رايثيون Raytheon الدفاعية أو «أم توماهوك» التي تصنّع هذا النوع من الصواريخ. الشركة الأميركية المتعاقدة مع البنتاغون، هي المصنّع الأول في العالم للصواريخ الموجهة أو «الذكية». في الأيام الأخيرة، ومع عودة الحديث عن «توماهوك» كالسلاح الأول الذي قد تلجأ اليه واشنطن في هجومها على سوريا، ارتفعت أسعار أسهم الشركة إلى 75 دولاراً للسهم الواحد بعد أن بلغت 55 دولاراً خلال الأشهر الست الماضية. وزارة الدفاع الأميركية اشترت هذا العام 196 صاروخاً من طراز «توماهوك» وتعوّل شركة «رايثيون» على «استخدام كثيف لتلك الصواريخ في سوريا، ما سيؤدي الى زيادة الطلب الأميركي عليها، أي ارتفاع في المبيع وفي سعرها الذي قد يصل إلى مليون دولار للصاروخ الواحد»، حسب ما ذكرت بعض مصادر الشركة للإعلام. يذكر أن شركة الأنظمة الدفاعية (وهي الخامسة في العالم) شهدت انتعاشاً في المبيعات خلال الحرب الأخيرة على ليبيا، وهي «تأمل أن يسهم استخدام النسخة المطوّرة من توماهوك في سوريا إلى زيادة الطلب عليه في المستقبل بنحو دائم، وذلك بعد أن يثبت قدرته على اختراق أجواء دفاعية صعبة من دون تعريض حياة أي طيار أميركي للخطر».