عبثاً تحاول إسرائيل الجمع بين محاولة تهدئة الجمهور وتوجيه رسائل رادعة، وفي ضوء ذلك تجد القيادة الإسرائيلية نفسها مرغمة على التحرّك بين حدّين، الأول يهدف إلى تعزيز قدرة ردعها في مقابل أعدائها، الذين قد يردون على هجوم أميركي باستهدافها، وهو ما يفرض على قيادتها اتخاذ اجراءات عملانية وقائية ودفاعية ورفع مستوى التهديد والوعيد، الأمر الذي ينعكس ذعراً وسط الجمهور الإسرائيلي. في المقابل تحاول القيادة الإسرائيلية توجيه رسائل تهدئة إلى الجمهور الذي أربك بذعره القيادة، لكن رسائل التهدئة الفعلية قد تتعارض مع ضرورات الردع المضاد.
في ظل هذا الواقع، يُولِّد أداء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إحساساً بأنه يؤيد العملية الأميركية ضد «مجانين» الشرق الأوسط. في المقابل يبدو أن عدداً من المحافل الرفيعة المستوى إلى جانبه يبدون أقل حماسة، وفيما لا يترك نتنياهو شيئاً للخيال حين يهدد بالرد على أي نيران سورية، يبدو أن بعضاً من زملائه على طاولة المشاورات يعتقدون بأنّ على إسرائيل أن تصمت وتضبط نفسها، وخاصةً أن رئيس الوزراء يفهم أنه سيتعيّن عليه أن يفكر جيداً في الردّ، لأن سوريا ليست منظمة كحماس أو حزب الله، بل دولة معادية بحجم آخر تماماً. والى جانب كل من وزير الدفاع موشيه يعلون ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، ثمة وزراء في المجلس الوزاري المصغر غير قادرين على القول لنتنياهو إنه يبالغ في تهديداته ضد الرئيس بشار الأسد، كما أن هناك من يعتقد، في المؤسسة السياسية _ الأمنية، أنّ نتنياهو يرتكب خطأ استراتيجياً حين يهدّد بتخريب سوريا رداً على أي نيران تصدر من قبلها. وأنه يتصرف كالرئيس الأميركي باراك أوباما، حين وضع خطاً أحمر للسوريين وقيّد نفسه، وفي لحظة الاختبار سيضطر إلى كسر كلمته والتصرف بضبط للنفس.
ومن الرسائل التي هدفت إلى طمأنة الداخل وردع الخارج، ما أدلى به نتنياهو بالقول إنّ الجيش الإسرائيلي قوي أكثر من ذي قبل، وإنه والشعب في إسرائيل يثقان به. وأضاف إنّه على أتم اليقين بأن الجيش قادر على تنفيذ أي مهمة ستلقى على عاتقه. أما وزير الدفاع موشيه يعالون، فرأى أنّ الهدوء النسبي على حدود إسرائيل ناتج عن أداء الجيش لمهمّاته، مشيداً على نحو خاص بعمل رئيس الأركان بني غانتس، الذي رأى أنّه ما من مجال لا يعمل فيه الجيش مع شركائه في الأجهزة الامنية. كذلك، وجّه غانتس رسالة تهديد إضافية إلى دمشق، بالقول إنّه «في حال توجيه النيران نحو إسرائيل، من الواضح لكل زعيم في منطقتنا والعالم أنّ الثمن سيكون كبيراً، وخسارة العدو ستكون قاسية». وأضاف «إنّنا مستعدون لكل سيناريو، ويمكن لمواطني إسرائيل مواصلة حياتهم كالمعتاد».
وعلى خط مواز للاجراءات الدفاعية، يستعد الجيش أيضاً لامكان أن تضطر إسرائيل إلى تنفيذ تهديداتها ومهاجمة من يطلق النيران عليها. ويجري هذا الاستعداد على نحو خاص في هيئة الأركان العامة للجيش، وفي شعبة العمليات وسلاح الجو. وفي السياق نفسه، عزّز الجيش منظومة الدفاع ضد الصواريخ في وسط إسرائيل، حيث نُشرت منظومة القبة الحديدية في غوش دان. وعلى صعيد آخر تحدثت تقارير اعلامية إسرائيلية عن أنّ مخازن الأقنعة الواقية تكفي لحوالى 60% من المواطنين. من ناحية أخرى، أعلنت وسائل الاعلام عن أنّ الجيش قرر السماح لحوالى 50% من الجنود في قيادة المنطقة الشمالية بقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منازلهم، بعدما حظر عليهم خلال الأسبوع الجاري مغادرة قواعدهم العسكرية. مع ذلك تستمر حالة التاهب القصوى في قيادة المنطقة الشمالية وفي سلاح الجو.
إلى ذلك، أظهرت استطلاعات الرأي، نشرت صحيفة «معاريف» نتائجها، أنّ معظم الجمهور الإسرائيلي يعارض التدخل العسكري في حالة عدم تدخل الولايات المتحدة في ما يجري في سوريا. ويتبيّن من الاستطلاع أنّ 77% يعتقدون أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تتدخل عسكرياً. وبحسب الخارطة السياسية الحزبية، تبيّن أن نسبة المعارضين موزعة على النحو التالي، 79% من مصوتي «الليكود _ بيتنا»؛ 87% من مصوتي «شاس» و«يهدوت هتوراه»؛ 96% من مصوتي «العمل» و«ميرتس»؛ 91% من مصوتي «هناك مستقبل»، «الحركة» و«كديما». كذلك أوضحت «معاريف» أنّ الأميركيين أنفسهم، أيضاً، يُفضِّلون أن تضبط إسرائيل نفسها إذا ما اضطر الأسد إلى بعض التنفيس باتجاه بلداتنا.