يمكن الاعتداء الأميركي على سوريا أن يبصر النور اليوم قبل الغد، ويمكن ـ بمعقولية مرتفعة أيضاً ـ ألّا يبصر النور. الحديث عن إمكانات شبه متساوية، حتى الآن للفرضيتين، وهو ما بات ملحوظاً في الساعات الأخيرة، حديث لا يرجع إلى قصور في التقديرات، أكثر من كونه توصيفاً لواقع صاحب القرار في واشنطن، الذي لم يتخذ قراره بعد، تجاه «المعضلة الكيميائية» السورية. وعدم القرار حتى الآن، يرتبط بجملة من العوامل والعراقيل، وأيضاً المصالح التي تحمل في أساسها تناقضات، ويرتبط أيضاً بالنتائج الكارثية المتوقعة للفعل، ولسوء حظ الأميركيين واحلافهم، لعدم الفعل.
حتى أمس، كان الاعتداء على سوريا حقيقة واقعة لا رجعة فيها، وكان مدار التساؤل المطروح هو التوقيت فقط، إلا أنّه شهد تراجعاً بمستوى ما، إلى الخلف، في الساعات الأخيرة. حتى إسرائيل، أكثر الجهات مصلحة في توجيه ضربة إلى سوريا، وعدم كسر الخطوط الحمراء ربطاً بأكثر من ملف يعنيها في المنطقة، ومنها إيران، بدأت بالحديث عن عوامل وظروف طرأت، قد تدفع الأميركي إلى البحث عن مخارج بديلة غير عسكرية، رغم كل الاستعدادات والجاهزية على المستويين المدني والعسكري في إسرائيل، وكأن الحرب على الأبواب.
يتحدث الأميركي وحلفاؤه عن سقف موضوع للاعتداء لن يتجاوزوه. وهو بحسب التأكيدات المعلنة، إن حصل الاعتداء، فسيكون موجعاً ورادعاً، لكنه لن يؤدي إلى إسقاط النظام أو إضعافه، كذلك فإنه لن يغيّر من ميزان القوى في الحرب الدائرة في سوريا. وتضيف إسرائيل إلى ذلك أنّ الهجوم الأميركي لن يكون بمستوى يستدعي رداً سورياً و«يمكن الأسد هضمه». وكيف لاعتداء موجع ورادع، أن لا يؤثر في ميزان الحرب الدائرة هناك؟ وما هو الاعتداء الذي لا يستدعي رداً، من سوريا وأيضاً من حلفائها؟ هل هي ضربة على شاكلة الغارة الإسرائيلية الأخيرة في منطقة الناعمة، التي بحسب التعبيرات الإسرائيلية التي أعقبتها «كانت حاسمة وقوية وسمعت اصداؤها جيداً في بيروت؟». من هنا يمكن فهم دلالات وأسباب «أن أوباما لم يتخذ قراره بعد». علماً بأنّ العوامل الداخلية في الولايات المتحدة، ورغم تأثيرها وفاعليتها، لكنها لا تصل، كما يبدو، إلى مستوى التأثير المانع للهجوم، كما في الحالة البريطانية. يبقى الاعتداء نفسه ومستواه وتداعياته، واليوم الذي يليه، هو الذي يدفع الرئيس الأميركي، باتجاه الامتناع أو الإقدام، على الاعتداء.
وبديهي القول إنّ الإحجام عن شن اعتداء على سوريا، سيؤثر سلباً، وربما بمستوى كارثي، على مصالح ونفوذ الولايات المتحدة الأميركية وعلى حلفائها في المنطقة. في نفس الوقت، الاكتفاء بضربة شكلية، كالضربة الإسرائيلية في الناعمة، أو ما يزيد قليلاً عنها، وبعد كل التهويل والتهديد الحاصلين، يعد كارثة مضاعفة. إما تجاوز هذا المستوى باتجاه اعتداء أكثر فاعلية وتأثيراً، قد ينزع عن الأميركيين القدرة على السيطرة، وستترك الأمور لرد الفعل والرد على الرد، وصولاً إلى مواجهة لا يريدها طرفاها، أو أطرافها بعبارة أدق.
إذاً، على أوباما أن يتخذ قراره بالاختيار بين الكوارث. فهل يقتصر اختياره على كارثة مقلصة، أو يجنح للمقامرة، إلى كارثة أكبر؟