دمشق | على بعد دقائق من ساحة الأمويين في العاصمة دمشق، وجد أبناء هذه المدينة وريفها فسحة وحيدة لهم للتنفس والترويح عن النفس في منطقة الربوة، والتي كانت لسنوات جزءاً من سلسلة أماكن يرتادها الدمشقيون في محيط مدينتهم وريفها خلال أيام العطل.
رغم الظروف الصعبة وأصوات القصف، الزائر لهذه المنطقة يعتقد أنه في بلد آخر وفي مدينة أخرى، غير تلك التي تعاني الأمرّين من حرب استمرت لأكثر من عامين وراح ضحيتها الآلاف وخسر اقتصادها المليارات. فالجو الرطب نسبياً هنا وما بقي من غطاء أخضر يمنحان الناس شيئاً من الهدوء والسلامة، وربما الإحساس بحياتهم الاجتماعية السابقة وسط خليط من البشر يجعلون من الصعب العثور على مقعد فارغ في أي مطعم أو متنزه، خاصة يوم الجمعة. كما أن كثافتهم تجعل من العسير استخدام السيارة دون الانتظار لساعات ليكون الحل بالنسبة للبعض العودة سيراً على الأقدام.
يؤكد أحد أصحاب المطاعم أنهم استفادوا من الأزمة باستعادة أيامهم القديمة يوم كان للربوة مكانتها في تاريخ دمشق وذكريات أهلها، قبل أن تنافسهم مناطق أخرى كالزبداني وبلودان وصيدنايا وسواها. ويؤكد، في حديثه مع «الأخبار»، أنّ ما منحهم هذه النعمة اليوم وجودهم في منطقة تعتبر من المناطق القليلة الآمنة في دمشق، فهي حتى الآن بعيدة عن القصف وقذائف الهاون ولم تشهد أي اشتباكات ولا حتى تفجيرات.
ورغم أنّ هذه المنطقة هي المتنفس الوحيد لأبناء دمشق، فإن الحركة فيها تختلف باختلاف الأيام، إذ تبلغ الذروة في العطل، وينتشر الناس في المطاعم والمتنزهات على اختلاف درجاتها ما بين الشعبية والراقية. ويذكر صاحب أحد المتنزهات أنّ هذا النشاط ظهر بشكل خاص في الأشهر الستة الماضية، وربما استفادوا كأصحاب متنزهات ــ وهي مطاعم شعبية تسمح للزبائن بادخال أطعمتهم معهم ــ أكثر من المطاعم ذات التصنيف السياحي نظراً لارتفاع الأسعار وتضاعف تكلفة الجلوس في أي مطعم.
ويتحدث لـ«الأخبار» أحد أصحاب المقاهي، «مترحماً على أيام زمان» بعد أن خسر غالبية زبائنه باعتبار أن مقهاه كان يعتمد على الزبائن «السهيرة»، وهذه ميزة باتت صعبة اليوم. فزوار الربوة ورغم كثافتهم وأهميتهم لا يفضلون السهر، شأنهم شأن باقي سكان دمشق نظراً لاضطراب الوضع الأمني، حتى أن مجمل هذه المنطقة ينتهي ليلها عند الساعة التاسعة أو العاشرة.
العاملون في السياحة لا ينكرون الضربة القاصمة التي تعرض لها هذا القطاع وما خلفت معها من آلاف العاطلين من العمل من أصحاب منشآت وعمال. رئيس نقابة عمال السياحة والخدمات في دمشق جمال المؤذن، يروي أن 95% من منشآت ريف دمشق السياحية توقفت عن العمل بعدما تعرض بعضها للقصف أو السرقة أو بسبب وجودها في أماكن ساخنة يصعب الوصول إليها. ويؤكد أنّ الجميع بات يتوجه اليوم للربوة بعدما خرجت صيدنايا والتل وسواها من الخدمة، مبيناً أنّ المنطقة الآمنة في دمشق الممتدة من ساحة الأمويين حتى دمر أصبحت اليوم المتنفس الوحيد للناس، وأن هذه الحركة دفعت البعض إلى إقامة منشآت جديدة ليست بالضرورة على مستوى سياحي عال، والجهات الحكومية تغضّ النظر عنهم.
ويقدر المؤذن أن دمشق وريفها كانا يضمان 600 منشأة سياحية تتنوع ما بين مطاعم وفنادق، منها 200 في دمشق وأكثر من 380 منشأة في الريف مغلقة بسبب الأحداث، في حين أن منشآت دمشق ليست مغلقة لكنها بدون عمل.
وباعتبار أنه من الجهات المهتمة بالعمال بالدرجة الأولى، يتحدث المؤذن عن الآلاف ممن غادروا المهنة، وهم إما عاطلون من العمل أو سافروا أو انتقلوا لمهن أخرى، مقدراً عددهم بـ40 ألف
عامل.
ربما سيتغيّر الوضع في الأيام المقبلة مع استمرار التهديدات الأميركية، وما تتناقله وسائل الاعلام عن احتمال وقوع ضربة قريبة يقودها الغرب، وقد يخسر أبناء دمشق متنفسهم الوحيد هذا في جملة ما سيخسرونه في حال نفذت هذه الهجمة.