حتى مساء أمس، كانت الأخبار المتداولة عن مدينة معلولا في ريف دمشق لا تزال متضاربة، بين انسحاب الجيش السوري منها وعودة مقاتلي «جبهة النصرة» للتحصّن داخلها، وبين الأنباء عن استعادة الجيش المبادرة على الأرض والدخول مجدداً إلى المدينة. وحدها المدينة التاريخية غفت على ألم الدم المسفوك فوق أرجائها. النائبة عن مدينة دمشق ماريا سعادة، أوضحت في اتصال مع «الأخبار» أن المعلومات من داخل المدينة حتى مساء أمس أكدت استعادة الجيش المنطقة بعدما انسحب منها «لأمور تكتيكية» حسب قولها.
سعادة الـ«متألمة» من استهداف «رمز» المسيحيين في سوريا، اتهمت بعض العائلات المتواطئة مع مقاتلي جبهة «النصرة» بتأمين تحصينات للمقاتلين والتخفي ومساعدتهم على استهداف أهالي المدينة. وبالسؤال عن هوية هذه العائلات، رفضت سعادة الدخول في الاتهام «الطائفي»، إلا أنها عبّرت عن حزنها من أن تكون بعض العائلات قد ساعدت على ضرب «العيش المشترك» في المدينة.
حصيلة الاشتباكات أيضاً لفّها الغموض كحال الوضع في المدينة، فالحصيلة المتداولة إعلامياً كانت 20 شهيداً و15 مخطوفاً لدى جبهة «النصرة»، فيما بلغت أرقام سعادة حتى ظهر أمس 4 شهداء و4 مخطوفين. ولفتت إلى أن أغلب السكان لا يزالون في منازلهم، ولا يخرجون أبداً خوفاً من «القناص» المتحصن في قمة الجبل المحيط بالمدينة، فيما غادر بعض النساء والرجال المسنين المدينة بعدما أمّن لهم الجيش مخرجاً، وبقي بعض الشباب لحراسة منازلهم والأديرة.
وأوضحت سعادة أن بعض الأنباء مبالغ فيها عن استهداف «أول معهد في العالم لتعلم الآرامية كتابةً ونطقاً»، واعتبرت أنه «لو حصل ذلك لوجب تحرك دولي لحماية أحد أهم مراكز التراث المسيحي للعالم والإنسانية»، إلا أنها أكدت أن كنيستي ديميانوس وكوزما تعرضتا لأضرار كبيرة، بالإضافة إلى تهديم بعض الصلبان والتماثيل للعذراء.
واعتبرت سعادة أن استهداف معلولا «مقصود»، والدليل على ذلك أن مقاتلي جبهة «النصرة» كان بإمكانهم استعمال أوتوستراد دمشق ــــ حمص الدولي والالتفاف من خلف المدينة لاستهداف مراكز ونقاط الجيش في النقاط القريبة منها، إلا أنهم أرادوا الدخول إلى المدينة لغايات تدميرية وتخريبية، مضيفةً إن الأهالي أكدوا لها أن أغلبية من أمكن ملاحظتهم من المقاتلين كانوا من الجنسيات الشيشانية والليبية.
سعادة هاجمت عضو «الائتلاف» المعارض ميشال كيلو، الذي أكد في وقت سابق أمس أن «الجيش الحر» أرسل كتيبتين لحماية المدينة، واعتبرت كلامه تحريضاً على القتل ودعماً للإرهاب، مشددةً على أن الجيش السوري يقوم بواجبه في المدينة من حماية المدنيين والكنائس والأديرة. وأضافت سعادة إن استهداف معلولا حلقة إضافية في خطة تهجير المسيحيين من سوريا، وأعطت أمثلةً على ذلك «الاستهداف المقصود للمسيحيين في حمص القديمة وتدمير كنائسها القديمة، بالإضافة إلى استهداف حي الحميدية، معقل المسيحيين في المدينة، وكذلك استهداف أحياء المسيحيين في دمشق وما حصل أيضاً في الجزيرة السورية».
ولسعادة نظرتها في استهداف مسيحيي سوريا بعد استهداف مسيحيي العراق ومصر، إذ إنه «حلقة من حلقات ضرب الإسلام الحقيقي المبني على المحبة والتعايش لصالح الإسلام الدموي المتطرف». وأبدت خشيتها من أن نجاح الخطط في تفريغ المسيحيين من سوريا بعد استهداف معلولا «الرمز» سيكون له أثر كبير على المسيحية يبلغ حد إنهائها من العالم، «فالشرق هو من حافظ وحمى الطقوس المسيحية». وناشدت العالم حماية معلولا «لحماية التاريخ والوجود المسيحي». ورفضت عروض الدول الأوروبية باحتضان مسيحيي سوريا «لأن المسيحيين السوريين لا يريدون التفريط بارتباطهم بوطنهم الأم، ولأن ارتباطهم بأرضهم ودولتهم أهم لديهم من مناطق لا تربطهم بها أي صلات تاريخية ووطنية»، فـ«قوميتنا أساس ارتباطنا في هذه المنطقة».