لقاء الرابية أمس، بين المرشحَين الرئاسيين ميشال عون وسليمان فرنجية، رمّم شيئاً من صورة تحالف 8 آذار ــ التيار الوطني الحر المتصدعة بفعل مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية. اللقاء، بحسب مصادر الطرفين، كان إيجابياً. كسر الجليد بينهما، وخاصة أنه لقاؤهما السياسي الأول منذ اجتماع الحريري وفرنجية في باريس الشهر الماضي. شرح كل منهما موقفه. فرنجية أكّد أنه لم يسعَ إلى "القوطبة" على عون، مكرراً أن "الجنرال لا يزال مرشحنا". لفت إلى أنّ حظوظه الرئاسية أتت إليه من دون أن يسعى إليها، شارحاً لعون تفاصيل المبادرة الحريرية. واتفق الحليفان "المتنافسان" على استمرار التواصل والتنسيق وتأكيد استمرار العلاقة الإيجابية بينهما، مع الاعتراف بأنها تعرضت لنوع من الاهتزاز في القواعد الشعبية. أكد عون أنه مستمر في ترشّحه ولن يتراجع، وأكد فرنجية أن عون يبقى مرشحه ما دام لهذا الترشيح حظوظ تمكّن الجنرال من الوصول إلى بعبدا. لكن رئيس تيار المردة أكد أن الحريري جدي في ترشيحه، وأنه (أي فرنجية) لن يسحب ترشيحه إذا كان ثمة حظوط لوصوله، لأن هذا يعني وصول الفريق الذي يمثله إلى الرئاسة.في المقابل، أكّد عون لفرنجية حرصه عليه. وشهد الاجتماع عتباً من فرنجية على الجنرال، على خلفية موقف وسائل إعلامية من مبادرة الحريري. ولم يقتصر الأمر على تلفزيون "او تي في"، بل تعداه إلى مؤسسات لا صلة لعون بها. لكن مصادر الطرفين أكّدت أن العتب لم يبدّد إيجابية اللقاء.
تبدو نقاشات الحريريين أقرب
إلى العصف الذهني منها إلى الكلام السياسي

على المقلب الآخر، لا يزال المحيطون بالرئيس سعد الحريري يشيعون أجواءً إيجابية حيال التسوية المفترضة. يؤكد الحريريون أن حزب الله سيسير فيها، "لأنه ببساطة لا يمكنه رفض المرشح الرئاسي الأكثر قرباً إليه". في النقاشات مع الحريريين المؤيدين للتسوية، لا يكشفون "سرّ" قناعتهم بأن التسوية ستمر، رغم وجود "نِصاب مسيحيّ" معارض لها، يمثّل غالبية القوى الوازنة شعبياً، ورغم عدم موافقة حزب الله عليها. هل ثمة عرضٌ مغرٍ سيقدمونه للحزب وللجنرال ميشال عون ليقبلا بالتسوية المقترحة؟ يردّ الحريريون بأن هذا الأمر ليس من اختصاصهم، بل يقع على عاتق فرنجية. لكن الأخير لا يملك أوراقاً يسلّفها لحلفائه: لا في قانون الانتخاب، ولا في العمل الحكومي. ويُحكى في الصالونات السياسية أن رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، سأل الحريري عندما التقاه في باريس، عمّا يمكن أن يحصل عليه حزب الكتائب في مقابل تأمينه غطاءً مسيحياً للعهد الجديد، فرد الحريري بأن هذا السؤال يجب أن يُطرح على الرئيس المقبل.
تبدو نقاشات الحريريين أقرب إلى "العصف الذهني" منها إلى الكلام في السياسة. جوهر موقفهم مبني على أن تسوية إقليمية ما تلوح في الأفق، وأن انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية هو أولى الثمار المبكرة لهذه التسوية. لا يقدّمون أدلة على ما يقولونه، سوى ما يُحكى عن وقف إطلاق للنار في اليمن. أما خريطة طريق وصول فرنجية إلى بعبدا، فيبدون عاجزين عن رسمها، ويعودون إلى العبارة اللازمة: حزب الله سيوافق. كلام مشابه كرّره مستشار الحريري أول من أمس على مائدة السفير الأميركي ريتشارد جونز، الذي لبّى دعوتَه إلى غداء "دوريّ" جمعٌ من السياسيين المتعددي الانتماءات السياسية. يكتفي جونز ونائبه في رئاسة بعثة الولايات المتحدة في عوكر بالاستماع، من دون أن يدليا بأي موقف يمكن الاستناد إليه لتحديد موقف بلادهما مما يدور في لبنان.
التفاؤل الحريري رفع من منسوب "الخوف" لدى حلفائه في فريق 14 آذار، باستثناء الجميّل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. أحد سياسيي 14 آذار، من خارج الكتائب والقوات، ومن معارضي المبادرة الحريرية، لم يعد يملك أمام التفاؤل الحريري سوى "التبشير" بأن الأخير آتٍ إلى لبنان قريباً، وسيعلن ترشيح فرنجية، وأن التسوية مستمرة، وأن حزب الله سيعلن بعد ترشيح الحريري دعمه لفرنجية لكن بعد الاتفاق على قانون الانتخاب على أساس النسبية، "لأن البحث عالق حالياً عند هذه النقطة". يردد السياسي الآذاري هذا الكلام رغم أن أحداً من القوى السياسية لم يفتح "بازار" المقايضة بعد، وفيما رئيس القوات سمير جعجع والجميّل مصرّان على معارضة التسوية المقترحة.
اللقاءات السياسية لم تقتصر أمس على عون وفرنجية. فقد زار موفد الاول، النائب إبراهيم كنعان، البطريرك الماروني بشارة الراعي. وقال كنعان إن زيارته هي "لتأكيد التواصل مع الراعي والوقوف عند آخر معطيات الشأن الرئاسي الذي دخل مرحلة الاتصالات المسيحية – المسيحية، وهو ما يشجعه الراعي". وأشار إلى أن "هذه الاتصالات المسيحية ستكون عنواناً أساسياً في الأيام المقبلة". فبعد زيارة الرئيس أمين الجميّل للرابية، واستمرار الاتصالات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، جاءت أيضاً زيارة فرنجية لعون، لتعطي منحىً جديداً للملف الرئاسي، وهو ما تعوّل عليه بكركي، وخاصة أن الراعي شدد على أهمية الإفادة من الأجواء الحالية للدفع في اتجاه إجراء الانتخابات بعد الشغور الرئاسي الطويل، وأهمية التوافق المسيحي حول هذا الاستحقاق.
وكان الرئيس نبيه بري قد أكّد أمس "أن أفضل سيناريو في الشأن الرئاسي هو تفاهم العماد عون والنائب فرنجية". ونقل عنه النواب الذين استقبلهم في إطار "لقاء الأربعاء" قوله إن "استمرار الوضع على ما هو وعدم تعزيز التوافق يفيد الإرهاب الذي يتربص بنا جميعاً".