لن نجد أيقونة مشابهة لها اليوم. هذه امرأة من زمن طوته الخرائط الجديدة، واكتفت باستخدام اسمها في المناسبات العابرة بوصفها مناضلة تصلح لموضوع إنشاء مدرسي نموذجي. أما ما هو مصيرها اللاحق، وكيف تقضي شيخوختها، فهذا شأن آخر، لن يرغب «الوطنيون الجدد» في سماعه. يكفي أنها ألهمت فترتي الخمسينيات والستينيات برنين اسمها على امتداد الخريطة العربية، مرتبطاً بمقاومة الاستعمار الفرنسي لبلادها الجزائر. الشابة العشرينية المغرمة بتصميم الأزياء والرقص وركوب الخيل، وجدت نفسها فجأة في خضم ساحة أخرى.
هكذا انتسبت إلى «جبهة التحرير الوطني الجزائرية» لتكون أول فدائية في الجبهة قبل أن تصاب برصاصة في الكتف وتبدأ رحلة شاقة مع التعذيب. في المحكمة، ستردّد جملة لن تغيب عن ذاكرة المقاومة «أعرف أنكم ستحكمون علي بالإعدام، لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، لكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة». انتهت إحدى أشهر المحاكمات بسجن بوحيرد في سجن بربروس في الجزائر، ثم في فرنسا، إلى أن أُطلق سراحها مع الاستقلال عام 1962، لتتزوج محاميها جاك فيرجيس قبل أن يتطلقا عام 1975. رافقت محاكمة بوحيرد حملات ضخمة لإطلاقها. كتب جان بول سارتر كتابه الغاضب «عارنا في الجزائر»، فيما أطلق المثقفون المصريون نداءً «لا بد أن تعيش جميلة بوحيرد» حمل تواقيع طه حسين، ونجيب محفوظ، ويحيى حقي، وأم كلثوم، وإحسان عبد القدوس. ومن دمشق، أطلق نزار قباني قصيدته «جميلة»، فيما أهدى بدر شاكر السياب إحدى قصائده إليها: «يا نفحة من عالم الآلهة/ هبّت على أقدامنا التائهة/ لا تمسحيها من شواظ الدماء/ إنّا سنمضي في طريق الفناء/ ولترفعي أوراس حتى السماء».