القاهرة | سلك أحمد فؤاد نجم أمس «الطريق اللي ملهوش راجع» بعدما ودعه أصدقاؤه ورفاقه وتلاميذه، إلى مثواه الأخير في «مقابر الغفير». الطريق الذي سلكه نجم كان طويلاً. عن عمر يناهز 84 عاماً، رحل فجر أمس في منزله في المقطم. ورغم رحيله في هذه السنّ، إلا أنّ خبر وفاته كان مفاجأة للجميع، فالرجل لم يرقد يوماً، بل كان عائداً من السفر منذ ثلاثة أيام فقط بعد مشاركته في مهرجان تراثي في عمان، حيث تنبأ بثورة ثالثة في مصر قائلاً: «ما تخافوش على مصر. النصر قرّب من عينينا. الناس قلقانة على مصر. عندنا الشباب دول شياطين. ماحدش حيقدر يضحك عليهم زينا».هؤلاء الشباب «الشياطين» الذين كان نجم يراهن عليهم طوال الوقت أصيبوا بصدمة غيابه التي بدت واضحة عليهم أمس أثناء تشييع جنازة «الفاجومي» التي خرجت من «مسجد الإمام الحسين»، وشارك فيها العديد من النشطاء والسياسيين مقابل غياب وزير الثقافة صابر عرب أو أي تمثيل حكومي أو رئاسي.
رفض المشيّعون إيداع جثمان الفقيد في سيارة الموتى، بل أصرّوا على حمل نعشه على أكتافهم حتى مدافن الأسرة في «مقابر الغفير» في «السيدة عائشة»، وأعلنوا إقامة عزاء له مساء أمس في «مسجد بلال بن رباح» في المقطم، وكذلك في «مسجد عمر مكرم» غداً الخميس.
صاحب القصائد الثورية التي كانت وقود شعارات «ثورة 25 يناير»، تنبأ بالثورة منذ السبعينيات حين كتب عن انتفاضة الـ 1979 يقول: «كل ما تهل البشاير/ من يناير كل عام/ يدخل النور الزنازن/ يطرد الخوف الظلام». وأرشيفه الشعري يؤكد أنّه «الفاجومي» الذي هجا الرؤساء وهم في عز عنفوانهم وقوتهم، فسجن في عهد الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، واستمرت انتقاداته للسلطة في عهدي حسني مبارك ومحمد مرسي، لكن من دون أن يتعرض للسجن في أي من العهدين.
ومن أبرز الشخصيات التي شاركت في تشييع جثمان نجم أمس مؤسس «التيار الشعبي المصري» حمدين صباحي، ورئيس «الحزب المصري الديموقراطي» محمد أبو الغار، والرئيس السابق لـ«حزب التجمع» رفعت السعيد، والقيادي في الحزب نفسه حسين عبد الرزاق، ومدير «المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» خالد علي، والسيناريست والصحافي بلال فضل، ومؤسس فرقة «اسكندريلا»حازم شاهين التي كانت تغني أشعار نجم، والمنتج محمد العدل، والشاعر زين العابدين فؤاد، وصاحب «دار ميريت» الناشر محمد هاشم، والمذيعة ريم ماجد، والشاعر تميم البرغوثي الذي كان والده الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي قد غرّد على تويتر قائلاً: «أحمد فؤاد نجم. ستظل تزعجهم من هناك. الوداع يا صاحبي»، إضافة إلى حضور عدد كبير من النشطاء السياسيين.
وأكد الحضور أنهم حضروا لتشييع نجم كواحد من أهم الشعراء، استخدم الشعر للتعبير عن البسطاء وهمومهم، وكان مناضلاً، عنيداً طوال حياته. وقال حمدين صباحي إنّ «عزاءنا الوحيد في رحيله أن أعماله ستبقى حاضرة فى كل موقف»، بينما قال خالد علي إنّ نجم «ظل يناضل حتى آخر يوم في عمره ودفع الثمن من عمره الذي قضاه في السجون».
وبينما بدت ابنته نوارة نجم منهارة ومذهولة وسط الحشود، كانت ناشطة مشاركة في التشييع تبكي وهي تقول: «بلّغ الشيخ إمام يا نجم إنّنا عملنا ثورة، واتبعنا من كل الناس واحنا مبعناش». نجم هو الآخر لم يبع كلماته على مدار تاريخه. كان حاضراً بكلماته اللاذعة، وقصائده الثورية، أميناً على الكلمة «بذيئاً» كما وصفه السادات.