ليل أول من أمس، انفجر نهر الغدير. فاضت مياهه، المجبولة بنفايات جيرانه، في زواريب الحي الضيقة. كاد التمرين الأول يعيد الذاكرة عاماً إلى الخلف، عندما استحالت البيوت المنكوبة اصلا ركاما تحت الماء. مع ذلك، لم يعبر الفيضان الصغير بلا أضرار برغم احتياطات بعض السكان الذين رفعوا جدران مداخلهم، فشتوة الساعات القليلة حملت بعض الحيوات في طريقها، وخصوصاً تلك الواقعة بين المجريين. وقد تكون حياة محمد صوان هي التي طافت ذلك الليل، عندما اندفعت المياه من مجراها ودخلت الغرفة، التي يسميها بيتاً، وهجّرت نصف العائلة «إلى بئر حسن»، يقول.
أمس، كان محمد يجلس وحيداً في بيته. كان ينتظر العاصفة. وهو الفعل الذي يمارسه كثيرون هناك. وفي وقت انتظاره، كان يرشق كلاماً كثيراً عن الوعود التي أطلقتها الدولة العام الماضي عندما نكب الحي. يردد الكلام نفسه الذي قاله حينها: «قالوا بدهن يدعموا الجدران ويوسعوا المجرى، بس كل اللي عملوه نضّفوا المجرى مرة واحدة وفلّوا». منذ ذلك الوقت لم يسمع صوان باسم وزارة الأشغال ولا حتى بلدية الشويفات التي يخضع لها الحي عقارياً، حتى أول من أمس عندما خرج هؤلاء ليقولوا «نزلنا»، ولكن الى اين؟ وليفعلوا ماذا؟.
يستغرب صوان كلام رئيس بلدية الشويفات ملحم السوقي عندما قال بأن عمال البلدية نزلوا إلى الغدير، ويسأل «هل من المعقول أنه أنزل أشباحاً؟». وماذا عن الأشغال؟ يشير صوان باصبعه إلى «الجرافة» المتوقفة عند مدخل الحي «متل منّك شايفة متل الخازوق». مع ذلك، يرفض الرجل أن يحمل هؤلاء المسؤولية كاملة، فهناك مسؤولية تقع على عاتق الإثنين: المواطن والدولة. فبالنسبة للدولة، يقال فيها الكثير. ولكن في منطقة الغدير بالذات «جاهدت» الدولة من دون أن تصل إلى معالجة جذرية. وبحسب مجلس الإنماء والإعمار، فقد «نفّذ مجموعة من المشاريع التي هدفت إلى رفع مستوى الخدمات في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي هذا السياق كان المجلس قد كلف الاستشاري دار الهندسة شاعر ومشاركيه بإعداد دراسة لتأهيل مجرى نهر الغدير وجرى إعداد ملف تلزيم لهذا المشروع العام 1997 ولكنه لم يدخل حيّز التنفيذ بسبب مشكلة السكان». كان هذا ما بادر إلى قوله المجلس أواخر العام الماضي. وبناء على هذا القول، لا مشروع جدياً قبل معالجة أزمة السكان. وهي أزمة ليست وليدة اللحظة بطبيعة الحال، وقد لا تحلّ. أما المواطن، فله حصّة من المسؤولية أيضاً «ومش يلعن أخت الدولة كلما فاض الغدير، يلعن اختنا نحن عندما نرمي النفايات من الشباك، برغم أن سوكلين في عقر دارنا»، يقول سعيد درّة.
يمكن للمشكلة الأخيرة أن تحل «فيما لو قامت البلدية بدورها مثلاً، كأن تحرر ضبط مخالفة بحق بعض السكان، عندها يتوب البقية ولا نفيض كل عام». وهو ما لا يمكن أن يحصل مع الدولة، هي «التي نزلت بكليتها العام الماضي ووعدت ولم تفعل شيئاً»، يتابع درّة. كان ذلك عندما أتت على الحي عاصفة سمّوها العروس. أما هذا العام، فتحل بعد أيامٍ قليلة عاصفة «ألكسا»، فبم سيواجهها الناس هناك؟ هؤلاء الذين لم يرفعوا جدران بيوتهم تحسباً؟ ماذا سيحل بهم؟ وماذا عن الوعود التي أطلقت العام الماضي ولم يتحقق منها شيء؟ من المسؤول عن كل هذا؟
الأرجح أن المسؤولين، فيما لو شعروا بمسؤوليتهم، سيفعلون ما فعلوه العام الماضي، مع بعض التعديلات ربما. فبدل أن تحضر الجرافات والشاحنات بعد وقوع الكارثة، تحضر مع الإعلان عن موعد العاصفة المقبلة. وهو ما يأمله السكان وما لا يتوقعونه في آن معاً. فالعام الماضي، لم يكترث لهم أحد. نزلت بعض الجرافات، وعندما انتهى الطوفان، نسي الكثيرون أن الغدير قد «بجّ» في بيوت الناس.