ترنّح بنك فرعون وشيحا لأكثر من سنة ونصف سنة بين مشتر وآخر، الى أن استحوذ عليه بنك بيبلوس بصورة نهائية يوم الجمعة الماضي. بحسب المعطيات المتداولة، فإن بيبلوس استحوذ على أصول وموجودات المصرف المخمنة بمبلغ 91 مليون دولار، مع إبقاء مبلغ 24 مليون دولار مجمداً في حساب خاص في انتظار تسوية الديون المشكوك في تحصيلها أو تلك الممنوحة من فرعون وشيحا من دون ضمانات كافية. وبحسب اتفاقية الاستحواذ، تُمنح «زينا غروب» (المملوكة من الأخوين تادي وريمون رحمة، التي كانت قد باشرت شراء بنك فرعون وشيحا) خيار شراء 5% من رأس مال «بنك بيبلوس». أما الخطّة المتفق عليها بين بنك بيبلوس وحاكمية مصرف لبنان، فهي تقوم على دمج أصول وموجودات فرعون وشيحا بأصول وموجودات بيبلوس وشطب رخصة فرعون وشيحا، في اطار استراتيجية تقليص عدد الرخص.تعود قصّة بيع فرعون وشيحا إلى 21 أيلول 2014 حين وقّع مساهمو هذا المصرف مذكرة تفاهم مع «زينا غروب»، تتضمن موافقة مبدئية على استحواذ الأخوين زينا/ رحمة على 100% من أسهم فرعون وشيحا. الأخوان رحمة سدّدا دفعة على مرحلتين بقيمة إجمالية تبلغ 20 مليون دولار، لكن الصفقة لم تُستكمل بالشكل المتفق عليه بسبب عدم موافقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على تسليم المصرف الى المجموعة التي لا تملك خبرة في العمل المصرفي، فضلاً عن ورود تقارير إلى لبنان عن صفقات شاركت فيها «زينا غروب» في العراق، وهي محل تحقيق جار هناك.
إزاء هذا الوضع، بدأ العمل على تجزئة الصفقة، إذ برزت ازدواجية غير معهودة في الصفقات المصرفية، فقد بات لزاماً على أي جهة ترغب في تملك أسهم فرعون وشيحا أن تفاوض طرفين؛ المساهمين الذين يحملون الأسهم بصورة نظامية، و«زينا غروب» التي تحمل تعهدات بالبيع من المساهمين الأصليين، والتي عمدت، على مراحل، إلى تنفيذ جزء من التعهدات ونقل ملكية بعض الأسهم بمعدّل 5% لكل من تادي وريمون زينا، تفادياً للحصول على موافقة مسبّقة من مصرف لبنان، إذ إن انتقال ملكية تفوق 5% من اسهم اي بنك، يخضع لموافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان المسبقة.
قيمة الصفقة 91 مليون دولار منها 24 مليون مجمدة في حساب خاص

إلى جانب ذلك، برزت مشكلة أساسية تتعلق بتخمين قيمة أصول فرعون وشيحا. فقد تبيّن أن المصرف يملك محفظة عقارات كبيرة، يشغل الجيش اللبناني الجزء المهم منها في اليرزة وبعبدا، وجرت مصادرتها بموجب قانون المصادرات لعام 2003. استعاد بنك فرعون وشيحا هذه العقارات بحكم قضائي صدر في اواخر عام 2003، وقضى هذا الحكم بمنح البنك تعويضا سنويا من الدولة بقيمة 2.2 مليون دولار مع مفعول رجعي. هذه العقارات لا تزال مشغولة من الجيش اللبناني. وباستثناء الأخوين رحمة، لم يبدِ أيّ من العارضين رغبته في الاستحواذ على أصول تتضمن مشاكل عقارية مع الجيش يصعب إيجاد حلول سريعة لها.
في هذا الوقت، انطلقت المفاوضات مع رئيس مجلس إدارة البنك اللبناني السويسري تنال الصبّاح. الصيغة التي اتفق عليها بين الأطراف الثلاثة المعنية، هي أن يجري تحييد العقارات الموجودة ضمن أصول المصرف ووضعها في شركة خاصة تشتريها شركة «زينا غروب»، ورفع رأس مال المصرف من 42 مليون دولار إلى 69 مليون دولار، فتصبح القيمة النهائية للمصرف موازية لأمواله الخاصة المضروبة بـ1.3 مرات، أي ما قيمته النهائية 91 مليون دولار. في حصيلة تلك المرحلة، باع مساهمو بنك فرعون وشيحا العقارات الى «زينا غروب» على نحو مستقل عن صفقة بيع البنك، وبلغت قيمة البيع نحو 27 مليون دولار، على الرغم من ان الحكم القضائي خمّنها بنحو 56 مليون دولار. الجدير بالاشارة ان مساهمي البنك تنازلوا ايضا للاخوين رحمة عن المفعول الرجعي للتعويضات المقررة من المحكمة نتيجة اشغال الجيش لهذه العقارات.
خلال هذا الوقت، ثمة ما حصل. بدأت التقارير ترد إلى لبنان عن ملفات الفساد يكشفها رئيس الحكومة العراقية، وعن تورّط تجار لبنانيين بملفات مضاربة على العملة العراقية وشراء الدولارات وبيع النفط، فضلاً عن ورود تقارير من الانتربول عن قضية معيّنة تتعلق بعملية ارهابية... المهم إن الأمر انتهى بتراجع الصبّاح عن هذه الصفقة، التي كانت ستمنح الأخوين رحمة حصّة تبلغ 30% من المجموعة المصرفية التي ستنشأ بعد دمج فرعون وشيحا بالبنك اللبناني السويسري.
كانت أسهم ناجي فرعون وبناته البالغة 75% وأسهم بيار ضومط البالغة 14.6% لا تزال ضمن ملكية كلّ منهم «رسمياً»، إلا أن الأخوين رحمة، وبموجب المبالغ المدفوعة والتعهدات المحصّلة لحسابهما، كانا يملكان صلاحية «الفيتو» على أي مفاوضات تجري أو ستجري مع أي مشتر. على خطّ موازٍ، كانت هناك رغبة لدى بنك بيبلوس بتوسيع محفظته للحفاظ على المركز الثالث ضمن الترتيب المصرفي، إذ كان يتعرض لمنافسة قوية من فرنسبنك، الذي سبقه في مؤشري الأصول والأرباح، فيما لم يسبقه في مؤشر الودائع. وبالتالي كان عليه تعزيز ميزانيته من خلال الفرص المتاحة في السوق. وإحدى هذه الفرص تمثّلت في الاستحواذ على أصول وموجودات فرعون وشيحا.
هكذا انطلقت المفاوضات المثلثة الرؤوس. بيبلوس، والأخوان رحمة، ومساهمو فرعون وشيحا الأصليون. وقعت الأطراف الثلاثة في 13 كانون الثاني 2016، اتفاقاً للحفاظ على سرية المعلومات ينص على تمكين بيبلوس من الولوج إلى الحسابات والمستندات التي يحتاج إليها في عملية استكشاف إمكانية الاستحواذ على 100% من أسهم بنك فرعون وشيحا مقابل91 مليون دولار، وذلك بما فيها الاتفاق الموقّع مع «زينا غروب» والتعهدات التي تحملها من مساهمي بنك فرعون وشيحا. كذلك اتفق الطرفان، وبصورة أولية، على أن يوضع مبلغ 7 ملايين دولار في حساب خاص مجمّد لتغطية العمليات المشكوك في تحصيلها، أو غير المأخوذ ضمانات كافية عليها، أو التي ستنتج منها خسائر، وذلك في انتظار نتائج الدراسة للحسابات التي تجريها شركة التدقيق (تقول بعض المصادر إنها الشركة نفسها التي تتولى التدقيق لدى مصرفي بيبلوس وفرعون وشيحا). وأظهرت الدراسة أن الحسابات التي قد تتحول إلى متعثّرة، أو المتعثّرة أو المنتجة للخسائر تبلغ قيمتها 24 مليون دولار، ما دفع بنك بيبلوس إلى المطالبة برفع مبلغ الضمانة، إذ إن هذا المبلغ يدفعه الشاري لكنه يوضع في حساب مجمّد منتج للفوائد من أجل تغطية أي خسائر مترتبة على هذه الحسابات ويتحملها المساهمون السابقون للمصرف لا المالكون الجدد.
عند هذا الحدّ، استعمل الأخوان رحمة «الفيتو» الذي يحملانه، وقرّرا التفاوض مع بيبلوس من أجل الحصول على حصّة أكبر من هذه الصفقة لا تكون محصورة بارباح مقدّرة بنحو 11 مليون دولار، بل تتيح لهما البقاء في الصناعة المصرفية. وبالفعل، تمكن الأخوان رحمة من اقتطاع المبلغ الذي سيوضع في الحساب المجمّد من حصّة ناجي فرعون بنسبة كبيرة، في مقابل أن يمنحهما بيبلوس حق شراء 5% من أسهمه.
وبمباركة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقّعت الأطراف الثلاثة الصفقة، إلا أنه لم يتحدّد بعد حجم مساهمة الاخوين رحمة في بنك بيبلوس، إذ إن رئيس مجلس إدارة بيبلوس فرنسوا باسيل رفع سعر سهم بنك بيبلوس من 1.68 دولار إلى 2.68 دولار على أساس أن شراء الأسهم من السوق، أي من البورصة، لا يشبه شراءه من المساهمين الذين يحملونه، ولا سيما أن حجم الاسهم المتداولة في البورصة لا يزيد على 0.002% من مجمل الأسهم العادية للمصرف، علماً بأن أكبر حصّة من الاسهم المتداولة خلال السنوات الأخيرة لا تزيد على 1% من مجمل الأسهم العادية.




مصير الموظفين

قالت مصادر مطلعة على المفاوضات، التي تجريها لجنة الموظفين مع إدارة فرعون وشيحا، إن المطالب تتركّز على بروتوكول صرف للموظفين يشمل حصولهم على راتب 40 شهرا على نحو مقطوع، وعلى راتب شهرين عن كل سنة خدمة. الإدارة لا تزال ترفض ذلك، وخصوصاً أن عمليات الاستحواذ والدمج في الفترة الماضية كانت تشمل دائماً منحة انتاج تعادل شهراً عن كل سنة خدمة ضمن سقف لا يتجاوز 10 أشهر على أن يدفعها البائع، وبالتالي يتوقع الموظفون من رئيس مجلس الإدارة ناجي فرعون ومن الأخوين تيدي وريمون رحمة تسديد هذه المنحة إضافة إلى بروتوكول الصرف.