لم يشهد تاريخ الصحافة التونسية موجة تجريم جماعي كما عرفها هذا العام الذي توِّج بصدور «الكتاب الأسود» عن رئاسة الجمهورية الذي أثار استياءً في الوسط السياسي والإعلامي والثقافي ووصلت ارتداداته إلى لبنان، مع الكشف عن لائحة بأسماء الصحافيين الذي تلقوا «رشى» من نظام زين العابدين بن علي.
شهدت السنة أيضاً ملاحقات قضائية غير مسبوقة بحق الإعلاميين بلغت حدّ إيداعهم السجن، وهو ما لم يحدث حتى في زمن بن علي. هكذا، سُجن زياد الهاني الذي كان من الصحافيين القلائل الذين وقفوا ضد نظام بن علي بسبب تصريح أطلقه في برنامج تلفزيوني اتهم فيه القضاء بانعدام الاستقلالية وخدمة أجندات حركة «النهضة» الإسلامية بعدما كان في خدمة بن علي. وشكل إيقاف الهاني يوم ١٣ أيلول (سبتمبر) الماضي حدثاً بارزاً وحّد الأسرة الإعلامية والثقافية الى حدّ تطوع الصحافيين والمواطنين لدفع الكفالة التي قررها القاضي والمقدّرة بحوالى ألف أورو. كذلك نظم الصحافيون إضراباً عاماً في الشهر نفسه كان الثاني في أقل من عام، احتجاجاً على التضييقات والعنف المادي والرمزي المسلط على الصحافيين.
لم يكن الهاني الوحيد الذي مثَل أمام المحكمة، بل طالت المحاكمات آخرين، من الطاهر بن حسين مدير قناة «الحوار التونسي» التي كانت المحطة الوحيدة في مواجهة النظام السابق. وقد اتهم بن حسين بالضلوع في قلب نظام الحكم بعدما دعا المواطنين عبر قناته الى الامتناع عن دفع الضرائب للحكومة التي يعتبرها فاقدة للشرعية. كذلك تعرض الصحافي في إذاعة «إكسبرس أف. أم.» زهير الجيس للملاحقة القضائية بعد الشكوى التي قدمتها ضده رئاسة الجمهورية على خلفية استضافة اللبناني سالم زهران الذي اتهم الرئيس المنصف المرزوقي بتلقّي المال من قناة «الجزيرة». الملاحقات القضائية لم تكن كل ما عاناه الصحافيون تحت حكم الترويكا، بل أضحت حياة البعض مهددة كسفيان بن فرحات الذي يخضع لحراسة أمنية مشددة بعد ورود معلومات استخبارية عن مخطط لاغتياله.
وفي تقاريره المتواترة، أكّد «مركز تونس لحرية الصحافة» (غير حكومي) أنّ عشرات الصحافيين التونسيين يتعرضون لتضييق في عملهم واعتداءات لفظية وبدنية من أنصار حزبي «النهضة» و«المؤتمر»، وميليشيات «حماية الثورة»، والسلفيين. كذلك قادت صفحات الفايسبوك التابعة لـ«النهضة» حملات تشويه منظمة لكل الصحافيين الذين رفضوا دخول بيت الطاعة، وانخرطت حتى بعض الصحف القريبة من حركة «النهضة» وقنوات تلفزيونية في الحملة التي أرادت تطويع آخر قلاع المقاومة بعدما نجحوا في تطويع القضاء والأمن.
هذا الاستهداف المنظم للإعلام توَّجه الرئيس الموقت بإصدار «الكتاب الأسود» الذي قال إنّه يريد من خلاله فضح منظومة الدعاية لنظام بن علي الذي كان أحد مطالب ما عرف بـ«الثورة». إلا أنّ الطريقة التي أنجز بها أثارت الكثير من الاستياء بسبب استغلال معطيات وأرشيف الدولة في تصفية خصوم سياسيين رفضوا دخول بيت الطاعة. ورغم هذه المصاعب، لم يعدم الصحافيون الأمل بالحفاظ على استقلاليتهم. ونجح صحافيّو إذاعة «تطاوين» (رسمية) في رفض المدير المعين بعد حوالى شهر من الاعتصام. كذلك قاضت «الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري» الحكومة بعدما عيّنت مديرين في مؤسسات رسمية، وهذا من اختصاص الهيئة.
وعرفت السنة هجمة لرجال الأعمال على القنوات التلفزيونية، إذ اقتنى محمد العجرودي قناة «الجنوبية»، واشترى سليم الرياحي قناة «التونسية» التي غادر مديرها سامي الفهري السجن بعد عام من دون صدور أي حكم قضائي ضده! وعرفت هذه السنة حدثاً بارزاً هو ولادة قناة «تلفزة تي. في.»، وهي أول محطة مملوكة للصحافيين. ولعل المؤلم في هذا العام أنّ المنظمات الدولية التي تعنى بحرية الرأي والتعبير سجلت تراجع تونس بأربع نقاط عن تصنيفها في عهد بن علي بسبب التضييقات المسلطة على الصحافيين.