عندما كان الوزير السابق الدكتور محمد شطح يُسأل عن سر شغفه بربطة العنق ذات الألوان الفرحة، المشعة حتى، يجيب أنها ألوان التعلق بالتفاؤل والأمل والإلتصاق بالحياة. نادرا ما أُبصِرَ بإحداها داكنة، او بابتسامة ملتبسة، او اناقة ناقصة. ظنّ باستمرار أنه في مأمن من كل شرّ. يقصد الموعد ويجتاز بضع عشرات أمتار بلا مرافق وحيداً مشغولا بهاتفه. عندما يهم بالعودة يتصل بطارق، سائقه. ينتظره على الرصيف بعض الوقت حتى يحضر من غير أن يسكنه قلق. لا يتردد في المشي وحيداً. صدّق أن المحكمة الدولية توأم عناية الهية. في بعض أحاديث خاصة، ردّد انه من بين قلة لا اعداء له رغم انه يقيم في صلب التناقض الحاد الذي قسّم البلاد بين قوى 8 و14 آذار. من بين قلة في تيّار المستقبل وقوى 14 آذار ــــ إن لم يكن الوحيد ــــ يتحدث بصوت خفيض ونبرة هادئة، ويلوذ بالصمت عندما ينفعل الآخرون ويصرخون. في الايام الاخيرة راح يروي انه يبدأ نهاره بالاطلاع اولاً على ما يجري في ايران.
يستطلع ما يدور داخلها والمواقف المتباعدة بين مؤيدي التفاهم مع الغرب والاتفاق على السلاح النووي ومعارضيه. لم يتردد في القول عشية الميلاد: العنوان الرئيسي لمصير لبنان هو ما قد يحدث داخل ايران، والى اين سيقودها الخلاف الداخلي. لا تصدقوا ان المسار السوري هو من يحدد مصيرنا. أضاف: سوريا الآن، كما كان لبنان سنوات طويلة ولا يزال. سوريا اليوم مسرح وليست لاعباً. لا هنا ولا في اي مكان آخر. اللاعب الاساسي في لبنان هو ايران.
اسهب شطح في ابداء اهتمامه بالجمهورية الاسلامية والجدل السياسي والعقائدي المتشعب داخلها. قال: هل نحن ذاهبون فعلا الى ايران جديدة، اصلاحية حاول تجربتها الرئيس محمد خاتمي وفشل، ويريد الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد ظريف تكرارها عبر الغرب وارساء حسن جوار مع العالم ودول الخليج المحيطة بها، أو نبقى في ايران المتشددة. هل تريد ايران التخلص من العقوبات المفروضة عليها فقط، أم ما هو أكثر من ذلك؟
قال: الانتقال الحقيقي للبنان من حقبة الى اخرى لن يتأتى من حكومة جديدة او من رئيس جديد ايا يكن، بل سيحدده ماذا سيحصل في ايران اولا. في اي من الخيارات الغامضة الآن من جراء الجدل القائم هناك، يتقرّر مصير حزب الله. من بعد ايران فكّروا في دور الولايات المتحدة ثم السعودية. لا تخطئوا الحساب وتقلبوا سلم القوى النافذة في لبنان.
لم يسع شطح مرة ان ينظر الى حزب الله الا جزءاً من استراتيجيا ايران تجعله واجهتها في هذا الجزء من المنطقة. مع ذلك لا يوصد الابواب دون التفاهم معه. علّمته ثقافته الأميركية ومراسه سنوات طويلة في واشنطن فكرة رئيسية: لا تقطع خيط الحوار أبداً. بيد أن التجربة اللبنانية، مذ استقر في بيروت عام 2005، أعلمته بنقيض ذلك الذي لم يعتده: حوار، قطيعة، حوار، قطيعة. أوف. أمر منهك حقاً وغير منطقي.
بين عامي 2005 و2008 حلّ في مكتب مجاور لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وعامي 2008 و2009 في مكتب السنيورة في وزارة المال، وعامي 2009 و2010 في مكتب مجاور للرئيس سعد الحريري في السرايا، ثم انتقل اخيرا الى مكتبه في بيت الوسط. ظِلُّ الرئيسين السابقين في الحكم وخارجه. بالتأكيد لم يسمعه أحد يتكلم بنبرتهما المنفّرة والمستفزّة أحياناً. بيد أن عقل الرجل ولّد نواة الفكرة. يشترك مع معظم رفاقه في تيّار المستقبل في الخيارات والقرارات بلا تحفظ، وأخصّها التي يفسّرها ويفلسفها ويشرحها ويبرّرها، ويختلف عنهم بالأسلوب. إذذاك لا يجد أي أحد شبيها لشطح في صفوف تيّار يتشابه معظم أطرافه وأفرقائه. تلك حقبته اللبنانية. لم يُعطَ أيام الحريري الأب تماساً مباشراً بالتفاصيل اللبنانية، الصغيرة والكبيرة، في نيابة حاكمية مصرف لبنان والسفارة في واشنطن ثم في ابتعاد الرئيس الراحل عن الحكم بين عامي 1998 و2000.
حينما سئل اخيرا هل يمكن أن يُنظر إليه وجهاً محايداً كي يعود وزيرا في حكومة حيادية، ردّ: اكيد لا.
احد قليلين نادرين في تيّار المستقبل لا يزال يؤمن بالتسوية الداخلية ــــ الممكنة بحدود دنيا يقول ــــ مع حزب الله: ثمة فرق بين تسوية شاملة وتسوية موقتة. الاولى بعيدة للغاية ومتعذرة في ظل واقع المنطقة، والثانية معقولة لكن ليس من خلال الحكومة الجديدة. هاتوا حكومة ادارية. حكومة موظفين اذا اردتم. لوزرائها مواصفات ادارية لا تجعل حكومتهم طاولة الحوار، لاننا لن نتحاور مع حزب الله فيها، بل في مكان آخر من اجل ان نفتح باب المناقشة واياه على سبل حماية للبنان من الاخطار الاقليمية.
اضاف: لا نريد التفاوض مع الطرف الآخر على تأليف الحكومة. بل نقول لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف أن عليهما تأليف الحكومة التي يعتقدان بأنها المطلوبة. أما التفاوض مع الحزب، فشأنه أكثر تعقيدا.
قال كذلك متهكما: أنا عندي إمضائي الذي لا أعطيهم إياه.
على طرف نقيض حاد من حزب الله في المسألتين الأكثر استعصاء للتفاهم في الوقت الحاضر: مصير سلاحه، وتورطه في الحرب السورية. لم يُسمع شطح يقول انه يتوقع من الضغوط الداخلية التي تمارس على حزب الله ان تجعله يترك الحرب في سوريا.
من قلة ايضا في تيّار المستقبل وقوى 14 آذار عرف كثيرا وتكلم قليلا. عندما يتحدث لا يفضح ويكشف الاسرار، بل يجاري محاوريه المتطفلين على طريقته. يلامس الوقائع والمفاهيم الرئيسية ويوحي بجوانبها. بذلك عُرف عن شطح أن أحداً لم ينتزع منه سراً أو خبراً يقتضي أن يكون مكتوماً. قبل ايام تغدّى مع السفير البابوي في لقاء شخصي ضمهما والرئيس فؤاد السنيورة، ولمس اهتمامه بالوضع اللبناني من غير ان يخوض في التفاصيل والاستحقاقات المعلقة.
قليلون يعرفون ان موفدين غربيين، اميركيين وأوروبيين، يزورون لبنان ويجتمعون بالمسؤولين، يفسحون بعيدا من الاضواء وقتاً كي يجتمعوا بشطح ويصغوا اليه.
ليس مستشارا ديبلوماسيا للرئيس للحريري الابن فحسب، بل رجل ملفاته الاوروبية والغربية بلا استثناء. يُعدّ لها ويشارك في اجتماعاتها ويحفظ محاضرها. من الحريري الاب الى الحريري الابن اضحى الرجل ضرورة لهما كي يكون في الظل. يعرف ما يُحجب عن كثيرين من المحيطين بالحريري الابن، وجلهم لا يعرف. قلما انقضى يوم لم يجتمع بسفير في بيروت. الرجل الذي تعلم حسن الاصغاء مذ كان سفيرا في واشنطن، ألم كذلك بحسن ايصال الرسالة. لا يكتفي بالاطلاع على ما يفكر فيه الغرب في شؤون لبنان والمنطقة، بل لديه الكثير كي يفصح لهم عنه. لم يفارق عقله الدفاع عن «اعلان بعبدا» وطلب مؤازرته.
اقلقته الاحداث الاخيرة في طرابلس، مسقطه، وتنامي التيّارات المتطرفة والسلفية فيها، ودعا مرارا الى ترجيح كفة الاعتدال واعادة المبادرة الى تيّار المستقبل في المدينة. بسخرية قال: لا مفر من العمل في طرابلس لنستعيدها حتى لا نتحول يوما اقرب الى مستر غليون ومدام اتاسي في المعارضة السورية. اشارة بليغة الى ابتلاع التّيارات المتطرفة والسلفية المعارضة السورية المدنية.