أُقيمت أغلب النشاطات في مواعيدها هذه السنة، لكنها أُقيمت على «كفّ عفريتٍ» وقف عليه البلد نفسه طوال السنة. لم تُلغَ مهرجانات الصيف لكن الأوضاع الأمنية استمرت بإرسال ارتداداتها السلبية بجرعات متقطعة، وظلت الثقافة محكومة بتحديات مختلفة يتقدمها التحدي الأمني والسياسي، بينما غاب تذمّرنا من تحديات مثل انعدام التمويل وضعف البرمجة، وبدا ذلك أشبه بالترف مقارنةً بالوضع السياسي الذي بدأ يتلقى ضغوطات إضافية من الأزمة السورية.
لكن رغم أن الثقافة لا تستطيع أن تكون بخير في بلد ليس بخير، إلا أن يومياتها ومواعيدها العادية لا تزال جزءاً أساسياً من حداثة ومدنية المجتمع اللتين تتفوقان في العمق على ما يطفو فوقه من أزمات وفتن. حداثة وأسئلة طليعية تظل حاضرة كقوة ناعمة داخل التوترات السياسية الحادة في بلدٍ لديه من الدينامية ما يسهِّل على كتّابه وفنانيه استثمار حروبه وسلمه الأهلي الهشّ في أعمالهم الإبداعية. لقد اختلطت نبرات هؤلاء وحساسياتهم مع هوية مهددة وتاريخ مجروح، وما حدث في السنوات الماضية لا يختلف عن 2013 التي نودّعها بجردة ثقافية واصلت فيها الأجيال السابقة إنتاج أعمالها، بينما الأجيال الأحدث والشبان الجدد واصلوا البحث عن مساحات خاصة. هكذا، أُقيمت النشاطات في موعدها، آخرها «معرض الكتاب الفرنكفوني في بيروت»، و«معرض بيروت العربي والدولي للكتاب»، و«معرض الحركة الثقافية – أنطلياس». أقيمت «أيام بيروت السينمائية»، و«مهرجان بيروت الدولي للسينما»، واحتفت «متروبوليس أمبير صوفيل» بأفلام ألمودوفار وأسبوع آرتي وأسبوع النقاد. واحتفى «نادي لكل الناس» بـ«أيام مارون بغدادي السينمائية». وشهدت السنة عودة نضال الأشقر ممثلة في عرض «الواوية» بإخراج ناجي صوراتي، وعودة زياد الرحباني ممثلاً في عرض «مجنون يحكي» للينا خوري، بينما حصد عرض «الدكتاتور» للينا أبيض (تمثيل عايدا صبرا وجوليا قصار) جائزة أفضل عرض في مهرجان المسرح العربي. وقدم ربيع مروة ولينا صانع مسرحية «33 لفة»، وأقام مسرح «زقاق» تظاهرة «بيروت في أعمال إبسن»، وعرض يحيى جابر «بيروت – الطريق الجديدة»، وقدم الكوريغراف عمر راجح «ذلك الجزء من الجنة». مهرجانات بعلبك وبيبلوس وبيت الدين حضرت في مواعيدها، وكذلك «مهرجان بيروت للجاز»، فيما واصل «مترو المدينة» استقبال عروضه التي تحتفي بالتجارب الجديدة والهامشية. غاليريات الفن تميزت بحضور الفن السوري «النازح»، فأقيمت النسخة الأولى من معرض «سوريا آرت فير»، إلى جانب معرض فردية لحمود شنتوت وهبة عقاد ونزار صابور، ومعرض ضخم لمرون قصاب باشي. وشهدت السنة معارض مميزة لحسين ماضي وسمير خداج وبول غيراغوسيان وإيتل عدنان وصلاح صولي وآني كوركدجيان، بينما أقيمت النسخة الرابعة من «بيروت آرت فير»، وشارك أكرم زعتري في «بينالي البندقية». الكتب التي تتأثر أقل من غيرها بالظروف الأمنية، شهدت روايات جديدة، فصدرت «الشافيات» لعباس بيضون، و«حي الأميركان» لجبور الدويهي، و«هرة سيكيريدا» لرشيد الضعيف. وصدر ديوان «النازلون على الريح» لمحمد علي شمس الدين، و«فراشات لابتسامة بوذا» لشوقي بزيع، و«تمارين على تبديد الوقت» لفوزي يمين، و«قلم واحد في ثلاث أصابع» لجوزف حرب. وصدرت ليمنى العيد سيرة بعنوان «أرق الروح، ولعبده وازن «غرفة أبي»، بينما صدر «ثورة بلا ثوار» لفواز طرابلسي، و«سكايبينغ» لعقل العويط، و«مدينة في السماء» لعيسى مخلوف، و«سوبرمان عربي» لجمانة حداد. واحتفلت بيروت بمئوية رئيف خوري، واستقبلت الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة، والموسيقي التونسي أنور براهم. وأخيراً، لا تكتمل جردة السنة من دون ذكر توقف مجلة «الآداب» ورقياً، والغيابات الموجعة لوديع الصافي ومحمد دكروب ويعقوب الشدراوي وكريستيان غازي وعبد الحميد بعلبكي.

يمكنكم متابعة حسين بن حمزة عبر تويتر | @hbinhamza