لم يقدر يوهان كرويف على فعلها هذه المرة. لم يهزم مرض السرطان الذي دهمه قبل فترة وفتك برئتَيه كما كان يعتاد أن يهزم المدافعين مطيحاً إياهم يمنة ويسرة بسرعته الرهيبة وقدراته الفنية العالية في المراوغة. ما عاد "الهولندي الطائر" ليحلّق في سماء الكرة، هو الذي كان أحد نجومها المتلألئين القلة الذين أنجبتهم "الساحرة المستديرة" على مدار تاريخها. توقف قلب كرويف ظهيرة أمس، قال وداعاً في الثامنة والستين، ورحل.
أمس وقع النبأ كالصاعقة على كل محبي هذه اللعبة، حَزن الجميع حتى ممن لم يعاصروا كرويف، بل تعرفوا إليه عبر لقطاته الساحرة المصورة التي ستظل خالدة. سريعاً، عادت الذاكرة إلى الماضي، إلى ذلك الماضي الجميل إلى "نيغاتيف" الكرة الذي شكّل "الهولندي الطائر" أحد أبرز فرسانه، أوليس هو "أفضل لاعب كرة قدم أنجبته أوروبا" كما قال عنه ذات مرة "الأسطورة" الألماني فرانتس بكنباور؟
توفي كرويف عن 68 عاماً بعد صراع مع مرض السرطان

كان كرويف "علامة فارقة" ميزته عن كثيرين في تلك الحقبة بين السبعينيات والثمانينيات، وما أدراك ما تلك الحقبة الزاخرة بالعمالقة، التي قاد فيها أياكس أمستردام وبرشلونة الإسباني إلى ألقاب وألقاب على المستويين المحلي والأوروبي لا تُعَدّ ولا تُحصى، وكان الأبرز في مركزه بين أبناء جيله.
كرويف حكاية. حكاية رسام خط بأنامله أجمل الرسمات من خلال موهبته التي لم، وربما لن، تتكرر. حكاية عازف عزف بقدميه أجمل الألحان من خلال كرته السهلة والمنسابة كمياه نهر عذب يروي عطشى الكرة الجميلة والساحرة. حكاية مبدع جعل الكرة فناً وعشقاً وذوقاً من خلال فكره الكروي المتّقد الذي حمل "الساحرة المستديرة" من مكان إلى مكان بقيادته حقبة ما عرف بالـ "فوتبول توتال" أو الكرة الشاملة الممتعة. حكاية "أسطورة" بكل ما للكلمة من معنى. أن تقول أسطورة يعني أن تذهب سريعاً إلى كرويف. هو الأسطورة كلاعب حصد كل ما يمكن على الصعيد الجماعي باستثناء كأس العالم الذي كان على مقربة منه عام 1974 في ميونيخ لولا الخسارة أمام الألمان، وعلى الصعيد الفردي من خلال فوزه بالكرة الذهبية 3 مرات. وهو الأسطورة كمدرب بإشرافه على أحد أبرز أندية أوروبا وأعرقها برشلونة الذي قاده إلى لقب كأس الأندية الأوروبية البطلة (دوري أبطال أوروبا الآن)، وقاد أياكس إلى لقب كأس الكؤوس الأوروبية عام 1987 (أحرزه مع برشلونة أيضاً عام 1989)، فضلاً عن عشرات الألقاب الجماعية والفردية الأخرى. هو العاشق للكرة بكل جزئياتها إلى ما لا نهاية. هو المعلم إلى الحد الذي أصبح فيه مرجعاً لعلوم وأسس الكرة، أوليس هو القائل: "لعب كرة القدم أمر في غاية البساطة، لكن لعب كرة القدم بطريقة سلسة هو أصعب شيء ممكن"، وهو القائل أيضاً: "حين أخطئ لا أرتكب نفس الخطأ مرة أخرى"؟
كثيرة هي الصور التي تحضر في الذاكرة عند ذكر اسم كرويف. صوره وهو يطيح المدافعين أرضاً منطلقاً نحو المرمى دون هوادة، وتحديداً بالقميص البرتقالي مع منتخب هولندا في مونديال 74 الذي كتب فيه أجمل الكلمات في كتاب الكرة. صوره وهو يسجل أجمل الأهداف. صوره وهو جالس على مقعد الاحتياط مدرباً تتكلم عيناه خططاً وأفكاراً... وصورته للقطته الشهيرة التي تعود إلى يوم 22 كانون الأول عام 1973 وهو يطير إلى الكرة ليسددها مع فريقه برشلونة أمام أتلتيكو مدريد في ملعب "كامب نو" ليُعرف من حينها بـ "الهولندي الطائر".
رحل يوهان كرويف أمس. العالم حزين والكرة بكت معشوقها، من رسم البسمة على ثغرها. رحل كرويف، لكنه باقٍ. ثمة كثير من إرث هذا "الأسطورة" كفيل بأن يجعله باقياً.




كرة القدم تبكي «الهولندي الطائر»

بكت كرة القدم أمس يوهان كرويف. ونعى برشلونة أسطورته السابقة، ذاكراً على موقعه الرسمي في بيان له: «يقدم النادي تعازيه بلاعبه السابق الأسطوري والمدرب الذي سيذكر دائماً بتقدير عالٍ». أما قائد برشلونة أندريس اينييستا، فقال لتلفزيون النادي: «إنه يوم حزين جداً للعالم بأجمعه، وليس فقط لعائلة برشلونة بل للكرة العالمية».
بدوره نشر نجم برشلونة الأرجنتيني ليونيل ميسي في صفحته الشخصية على موقع «فايسبوك»: «أسطورة أخرى ترحل عنا»، فيما كتب مواطنه «الأسطورة» دييغو أرماندو مارادونا الذي دافع سابقاً عن ألوان برشلونة، فقال: «لن ننساك أبداً أيها النحيل».
من جهة أخرى، عزّى رئيس ريـال مدريد فلورنتينو بيريز في بيان له، قائلاً: «إنها أسطورة كروية تغادرنا. أريد أن أرسل، باسم ريـال مدريد وجميع مشجعي ريـال، تعازيّ الحارة إلى برشلونة، وخصوصاً إلى عائلته وأولاده».
كذلك، رأى رئيس الاتحاد الدولي السويسري جياني اينفانتينو، أن كرويف «رمز للعب الأنيق»، وأضاف: «كان يوهان كرويف لاعباً رائعاً، أحد أفضل اللاعبين الذين عرفهم العالم».
أما رئيس الفيفا السابق السويسري جوزف بلاتر، فقال: «أنا متأثر كثيراً. كان شخصية رائعة، فقد أطلق، إلى جانب رينوس ميتشلز، الكرة الشاملة. كرة القدم ستفتقد لكرويف».
أيضاً، وصف رئيس الاتحاد الأوروبي الموقوف، الفرنسي ميشال بلاتيني، كرويف بأنه «أعظم لاعب في كل الأزمنة. لقد خسرت صديقاً، وقد فقد العالم شخصية كبيرة. كان لاعباً استثنائياً».