"في لبنان قضاة يشرّفون البلد لكن ليس عندنا قضاء"، هذا ما أعلنه أمس نقيب المحامين أنطونيو الهاشم خلال إطلاق تقرير أعمال المرصد المدني لاستقلال القضاء وشفافيته الذي أسّسته المفكرة القانونية وشركاؤها في اتحاد المقعدين اللبنانيين وجمعية سكون. يفصّل التقرير (وهو عبارة عن مجموعة مقالات منشورة في المفكرة القانونية) بشكل موسّع أبرز الأحداث القضائية التي حصلت وأهم الأحكام والقضايا التي تناولتها المحاكم اللبنانية، ما يتيح إمكانية "إنتاج معرفة عن القضاء تمكّن من المضي في مشروع إصلاحي يرتكز على الواقع القضائي والمشاكل التي تواجه القضاء". هذه المشاكل لم تعد خافية على أحد، إذ أعلن الهاشم أنّ "القضاء في لبنان يعاني نقصاً كبيراً في استقلاليته ويواجه أزمة ثقة فعلية بين الناس"، داعياً إلى إلغاء المحاكم الاستثنائية مثل المحكمة العسكرية والمجلس العدلي أو تقليص صلاحياتها، إضافة إلى وضع المحاكم الدينية تحت رقابة مجلس القضاء الأعلى بعد إصلاحه.المرصد أصدر ما يمكن اعتباره جردة قضائية للأحكام وعمل المحاكم والقضاة بهدف "الانتقال من بيئة لا يمكن فيها الحديث عن الدعاوى القضائية إلى بيئة يكون فيها شفافية ومناقشة أكثر للقضايا من أجل وضعها في إطارها الاجتماعي وليس فقط القانوني"، وفق المدير التنفيذي للمفكرة المحامي نزار صاغية.

تقاعس القضاء

كان للأحكام "الظالمة" حصة كبيرة في جردة الأعوام الماضية، إذ تم تسجيل تمييز ضد فئات مهمّشة قانوناً، كما سُجّل تقاعس للقضاء في قضايا أساسية أبرزها قانون الإيجارات، إضافة إلى نفوذ النقابات المهنية مثل قضية الطفلة إيلا طنوس وظهور واضح للتدخلات في القضاء.
فقضية رلى يعقوب، شكلت صدمة للرأي العام بعد صدور القرار الظني القاضي بمنع محاكمة المدّعى عليه (زوجها) لعدم كفاية الأدلة وإطلاق سراحه فوراً. كذلك استمرت "فحوصات العار"، إذ كلّفت القاضية رنده يقظان طبيباً شرعياً للكشف على موقوفين في قضية علاقات مثلية، أي إجراء فحص شرجي لهم، متجاوزةً بذلك التعميمين الصادرين عن نقابة الأطباء والنائب العام التمييزي سمير حمود بمنع إجراء هذا الفحص، لما فيه من إهانة لكرامة الإنسان.
برز عام 2015 حكم يؤكد حق الفرد في تغيير جنسه

أمّا "فضيحة التعذيب في رومية"، التي سُرّبت عبر شريط يُظهر تعذيب عناصر أمنيين لسجناء، فقد انتهت في القضاء العسكري إلى أنّ "التعذيب الحاصل فردي وغير منهجي، وأن أعمال التعذيب تقتصر على المشاهد المسرّبة من دون أي زيادة، وأن العناصر الذين شاركوا فيها أقدموا على ذلك تبعاً لاعتداء السجناء على زملائهم".
من جهة أخرى، لا يقتصر التدخل في القضاء على السياسيين، إذ برز بشكل فاقع تدخّل نقابة الأطباء في قضية إيقاف طبيب عقب بتر أطراف الطفلة إيلا طنوس وورود شكوك عن وجود خطأ طبي. أعلنت النقابة إضراباً مفتوحاً الى حين إخلاء سبيل الطبيب، ما عكس وفق التقرير "استسهالاً هائلاً في التدخل في القضاء"، وشكّل "اعتداءً على القضاء من قبل هيئة منشأة بموجب القانون لتنظيم مهنة الطب وضمان حق المواطنين بالصحة".

أحكام للمرة الأولى

في المقابل، شهد القضاء خلال عامي 2014 ــ 2015 بعض التطورات المهمة المتعلقة بقضايا اجتماعية واقتصادية حساسة، فقد سجّل إنجازاً على صعيد احترام حرية الفرد برسم هويته وإعلانها وفق المعتقد الذي يؤمن به عبر حكم بتغيير اسم سيدة لما يحمله من دلالات طائفية. كذلك برزت قرارات قضائية تحمي حرية التعبير فضحاً للفساد، وذلك عبر عدد من الأحكام، منها دعوى الجامعة الأميركية ضد "الأخبار"، إذ أقرّ القاضي بأن التشهير ونشر مراسلات خاصة جائزان عند توافر مصلحة عامة ذات شأن، لكن هذه الأحكام تعدّ قليلة جداً في مجموعة الأحكام الصادرة عن محكمة المطبوعات والتي تدين الصحافيين.
على صعيد الحقوق الاقتصادية، سُجّلت أحكام عدّة، من بينها كسب 11 عاملاً في شركة كهرباء قاديشا حقّهم في الاستفادة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد 9 سنوات من رفع الدعوى.
في قضايا التهميش، صدرت بعض القرارات القليلة لكن المهمة، إذ شكلت سابقة قضائية، مثل تكريس مجلس شورى الدولة لحق ذوي المفقودين في معرفة مصائرهم. كذلك صدر قرار قضائي يحمي امرأة من العنف المعنوي الممارس ضدها، مقرّاً بأنّ العنف ضد المرأة لا يقتصر على العنف الجسدي. إضافة إلى الأحكام السابقة، برز عام 2015 حكم يؤكد حق الفرد في تغيير جنسه. وفي مسألة نظام الكفالة، ألزم القاضي جاد معلوف صاحبة العمل بإعادة جواز سفر العاملة لديها، واضعاً القضية في إطار إشكالية العلاقة بين رب العمل والعامل، لا سيما لجهة الحدّ من حرية العمل والتنقل. كذلك اعتبر مسألة ترك العاملات في الخدمة المنزلية عملهن مجرد خلاف عقدي أو فسخ غير مبرر للعقد وليس فراراً أو جرماً جزائياً.