في غمرة الانشغال الداخلي بالملفات العالقة، لا يزال ملف العقوبات الاميركية على حزب الله عالقاً، وسط تجدد المخاوف من أن يصبح متفجراً إذا نجحت حملة الضغوط من أوساط أميركية معارضة لحزب الله في فرض آليات تنفيذية صارمة تجاه الحزب.
ولم تلغ جولة الوفد البرلماني، ثم زيارة وزير المال علي حسن خليل لواشنطن، المحاذير الداخلية لتداعيات قانون العقوبات المالية الاميركي، وآلياته المحتملة، في ظل معلومات بعض المطلعين على نقاشات أميركية داخلية بأن لا أجوبة صريحة وواضحة أعطيت لزوار واشنطن، بل مجرد تطمينات حول الحفاظ على الاستقرار اللبناني من دون الغوص في الخطوات التي تستتبع مثل هذه التشريعات التي تعنى بها أكثر من وزارة أميركية، كالعدل والخزينة والخارجية، ولجان متخصصة، ويتم التنسيق بينها لوضعها موضع التنفيذ، علماً بأن القانون الذي وافق عليه الكونغرس جاء بموافقة الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ووقّع عليه الرئيس بارك أوباما في كانون الاول الفائت، ما يعني أنه يحظى حتى الآن بتأييد شبه واسع، رغم الزيارتين الرسميتين اللتين حملتا الى لبنان انطباعات عن "تفهّم" الشخصيات الاميركية التي التقاها وزير المال والنواب اللبنانيون، من دون وعود عملية ما دام القانون قد صدر وأصبح ملزماً.
يتابع "صاحب القانون" الضغوط على الإدارة الأميركية لجعله نافذاً بكل مفاصله
والمخاوف المتجددة في الايام الاخيرة، من أن تكون الآليات المرتقبة تحمل صيغاً متشددة في التعامل الاميركي مع حزب الله، لا تزال تتلمس آفاق المرحلة المقبلة في حال صدور الآليات تباعاً، ومدى تكيف الحزب معها وكذلك الادارات اللبنانية المختصة، خصوصاً أنه لا يمكن لأي طرف التكهّن بها وبما تحمله فعلياً، إذ إنها يمكن أن تتأثر بالضغوط التي تمارس على الادارة الاميركية، وخصوصاً من جانب الذين يشكلون قوة معارضة لحزب الله ولإيران واتفاقها مع الولايات المتحدة. وما رشح لأوساط لبنانية من الاجواء الاميركية المعنية انطباعات سلبية حول الخطوات اللاحقة التي يجب على الرئيس الاميركي إيضاحها للكونغرس، إذ يحدد القانون مهلاً تتراوح بين 90 و120 يوماً على توقيع القانون لتحديد قواعد معاقبة المؤسسات التي تتعامل مع الحزب وإعلام الكونغرس بتقارير عن أنشطة الحزب والدول والجهات التي تدعمه والحكومات التي تعمل على وقف أنشطته وغيرها من الخطوات التنفيذية، علماً بأن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست كان قد رأى، لدى توقيع أوباما، أن القانون "يكثف الضغط على منظمة حزب الله الإرهابية ويقدم للإدارة وسائل إضافية تمكّنها من استهداف الشرايين المالية للحزب". وتتوقع جهات متابعة أن يكون صدور هذه الآليات مقدمة لعقوبات متشددة وآليات تطبيقية صعبة تطاول أكثر من مجال حيوي، يمكن أن ينعكس على قطاعات متعددة سياسية ومالية وإعلامية. وهذا الامر في حال كان تصاعدياً قد يشكل عاملاً مقلقاً ومساعداً على إثارة التوترات الداخلية، في ضوء الاسئلة حول كيفية رد حزب الله على محاولات تطويقه، لا سيما بعد العقوبات الخليجية عليه والدفع في اتجاه خطوات تصعيدية ضده حتى من الاتحاد الاوروبي.
وتستند المخاوف اللبنانية في جزء منها إلى معلومات من واشنطن، وفي جزء منها أيضاً إلى نقاشات وشهادات تُليت أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس النواب الأميركي الاسبوع الماضي، وهي تعطي إشارات واضحة عن التوجه الاميركي حيال هذا القانون والقيام بحملة ضغط لوضعه موضع التنفيذ عبر الآليات المطلوبة، إذ استأثرت شهادة مدير برنامج ستاين لمكافحة الارهاب والاستخبارات في معهد واشنطن، ماثيو ليفيت، الذي يكتب دوماً عن ضرورة محاربة حزب الله والتشدد في التضييق عليه، والباحث في "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات"، طوني بدران، بحيّز من الاهتمام اللبناني. فالاول عرض بإسهاب وضع حزب الله، وركز على أهمية وقف نشاطاته المالية في بيروت وخارجها، متمسّكا بأهمية التشدد في فرض هذه العقوبات لتطويقه. أما الثاني فربط بين الجيش اللبناني وحزب الله، وبرّر وقف الهبة السعودية، ودعا الى التشدد في العقوبات على الحزب، رافضاً فكرة التذرع بأن العقوبات يمكن أن تهدد الاقتصاد اللبناني، وأيّد حثّ الاتحاد الاوروبي على إعلان حزب الله بجناحيه العسكري والسياسي حزباً إرهابياً، علماً بأن هذه المطالبة بدأت تلاقي تأييداً أميركياً، وقد دعت اليها أخيراً المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.
ويضاف الى الجوّ المشحون أساساً ضد الحزب، أن مقدم اقتراح القانون رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس إد رويس لا يزال يقوم بنشاط حثيث لجعل هذا القانون نافذاً بكل مفاصله، وهو لا يوفر مناسبة إلا ويشنّ فيها حملة على الحزب. وقد أشاد أخيراً بما قامت به دول مجلس التعاون الخليجي من فرض عقوبات عليه واعتباره حزباً إرهابياً. وتعهد بالضغط باستمرار على إدارة أوباما لوقف دعم إيران لحزب الله وتطويقه، معتبراً أن "قانونه" سيشكل علامة فارقة ونقطة تحوّل في مسار معاقبة حزب الله.