تهديد بـ«فتح أبواب جهنّم» في ريف حلب
منذ دخول اتفاق «وقف الأعمال القتاليّة» في حلب حيّز التنفيذ، كان «عدم الرضى» هو الانطباع السائد لدى عدد من القادة الميدانيين في الجيش السوري، والقوات المتحالفة معه. جاء الاتفاق حينها ليُفرمل تقدّماً غيرَ مسبوق للجيش والحلفاء في «عاصمة الشمال» وعلى ثلاثة محاور مهمّة.
شرقاً فُكّ حصار مطار «كويرس» العسكري، وانتقل التهديد إلى معاقل «داعش». جنوباً سيطر الجيش على مساحات شاسعة، وبات على وشك إحكام قبضته على أجزاء كبيرة من أوتوستراد حلب ــ دمشق. وشمالاً أُنهي حصار نبّل والزهراء الطويل، ولاحت أمام الجيش والحلفاء المناطق الحدودية. كانت الخطط العسكرية لفتح جبهة الريف الغربي في انتظار اللمسات الأخيرة، والمسلّحون داخل مدينة حلب يعدّون الساعات المتبقيّة قبل «خنقهم» كليّاً. «الهدنة جاءت في غير وقتها»، وفقاً لكلام قائد ميداني سوري. رغم ذلك، «فضّلت القيادة السوريّة إتاحة المجال أمام الحلول السياسية، وصدرت الأوامر بالالتزام التام إلا في حالة الدفاع عن النفس والردّ على الانتهاكات»، حسب ما يؤكد المصدر لـ«الأخبار». المؤشرات على تعثّر المسار السياسي بدأت بالتزايد خلال الأسبوعين الأخيرين، لكنّ القرار السوري كان «التزام الهدنة العسكرية حتى ولو دخل المسار السياسي طور التجميد»، يضيف المصدر. تأسيساً على ذلك، اكتفت القوات العسكرية بـ«معالجة الخروقات، وإعادة تثبيت السيطرة، كما حصل في حالة خناصر مثلاً». لكنّ تطورات اليومين الأخيرين تجاوزت تماماً حيّز «الخروقات»، خاصة مع التثبت من «مشاركة مجموعات كانت داخلةً في اتفاق وقف القتال».
تعمل واشنطن على احتواء الازمة باتصالات مع موسكو

رغم ذلك، تؤكّد معلومات متقاطعة حصلت عليها «الأخبار»، عبر مصادر عدّة، أنّ «القرار السوري لغاية ليل الأحد ظلّ يدور في فلك معالجة الخرق الحاصل في الريف الجنوبي، واستعادة المناطق التي خسرها الجيش هناك»، قبل أن «تتبدّل الحال يوم الاثنين مع تواتر المعلومات عن نية المجموعات المسلّحة فتح جبهات أخرى على غير محور حلبي». مصادر عسكريّة كانت قد رجّحت في وقت سابق أنّ «الوقت حان لمواصلة العمليات العسكرية في حلب»، مع الإشارة إلى أنّ أيّ «قرار من هذا النوع تُعلنه القيادة في الوقت المناسب» («الأخبار»، العدد 2845).
عملياً قرار الردّ لم يُتّخذ بعد. اجتماعات عديدة عُقدت وستعقد في الأربع والعشرين ساعة المقبلة لتحديد طبيعة الرد ورقعته وحجم المشاركة الروسية ونوعها، حسب ما علمت «الأخبار».
مصادر الجيش السوري وحلفائه تفيد بأنّ تطورات أمنية وميدانية تجري منذ نحو أسبوع تشير الى قرار إقليمي بإنهاء الهدنة. وتروي المصادر لـ«الأخبار» أنّ هجمات المسلحين أدت إلى خسارة الجيش والحلفاء أكثر من أربعين شهيداً وقرابة ثمانين جريحاً، وأنّ المعركة كانت قاسية وعكست تنسيقاً ميدانياً مع دعم معلوماتي، تشير التقديرات الى قرار تركي ــ سعودي برعاية المعركة الجديدة. ولفتت المصادر الى معلومات حصلت عليها موسكو قبل فترة حول تلقّي المجموعات المسلحة (على رأسها «حركة أحرار الشام» و«جبهة النصرة» و«الفرقة ١٣» ومجموعات من «الجيش الحر») تعليمات بإعداد عدة عمليات كبرى في حلب واللاذقية.
وحسب المصادر، فإنّ ما جرى في ريف حلب الجنوبي يوم الجمعة الماضي كان عبارة عن هجوم منسّق على جبهة بطول أربعين كيلومتراً، صاحبته كثافة نارية مركزة وهجمات سريعة منسّقة بدقة عالية. وهذا الهجوم ترافق مع هجوم مشابه في اللاذقية، ومحاولة للقيام بعمل في ريف حماه الشمالي. هذه المعطيات تترافق مع توقعات الجيش وحلفائه بتحرّكات أمنية وعسكرية في محيط دمشق.
وذكرت المصادر أن الجانب الروسي استوقفته حادثة إسقاط الطائرة السورية أمس، وقد اتخذ قراراً بأنّه «في حال تكرر الأمر سيكون مضطراً إلى إدخال تعديلات جوهرية على آلية عمله الحالية».
وعلمت «الأخبار» أنّ الاتصالات السياسيّة تكثّفت في وقت سابق على مسارين مُرتبطين، الأوّل سياسيّ تمهيداً لـ«نعي الهدنة في حلب» ما لم تُفلح اتصالات المسار الثاني الذي يضطلعُ به بشكل أساسي «مركز المصالحة الروسي في حميميم». ويسعى الأخير إلى «حمل المجموعات المتحالفة مع النصرة على العودة إلى دائرة الهدنة، والتبرّؤ من المعارك المفتوحة في الريف الجنوبي، وإيقاف عمليات قصف حي الشيخ مقصود في مدينة حلب». ووفقاً لمعلومات «الأخبار»، من المُرجّح، أن يُعلن الجيش السوري رسميّاً «خروج محافظة حلب من الهدنة بسبب عدم التزام المسلّحين بها»، مع تأكيد «التزام الجيش بالاتفاق في بقية المحافظات ما لم يخرقه المسلّحون». وهذا ما تعمل واشنطن على احتوائه باتصالات مع موسكو ودول أخرى تهربّاً من نعي الهدنة والتأثير على مسار «جنيف».

«النصرة»: لن يوقفنا شيء

على الصعيد ذاته، أكّد قياديّ «جهادي» أنّ «المعارك في الريف الجنوبي لن يوقفها شيء». المصدر المنتمي إلى «جبهة النصرة» قال لـ«الأخبار» إنّ «الإخوة في بعض الفصائل وضعونا في صورة محاولات إغرائهم بالتخلي عن معركتهم المقدّسة، لكننا لا نتوقّع منهم الرضوخ». في الوقت نفسه، أكّد المصدر أنّه «حتى ولو ارتكب بعض الإخوة هذا الخطأ القاتل واستجابوا لما يُمارس عليهم من ضغوط، فإنّنا لن نتوقّف، وسيخسر الإخوة دينَهم ودنياهم».

... وتقدّم لـ«الفصائل» في الريف الشمالي

إلى ذلك، واصلت المجموعات المسلّحة أمس تقدّمها في ريف حلب الشمالي على حساب تنظيم «داعش»، وتمكنت المجموعات من السيطرة على قرية تل سفير، ووضعت بلدة الراعي الخاضعة للتنظيم موضع الحصار، وسط مؤشرات على قرب تحولها إلى ساحة لمعارك ضارية بين الطرفين. وتسعى المجموعات إلى السيطرة على البلدة بوصفها خطوة أولى على طريق بسط سيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من المنطقة الحدوديّة بدعم تركي. وعلى صعيد متصل، أعلنت صفحات تابعة لـ«داعش» أنّ المدفعيّة التركيّة استهدفت مساء أمس عدداً من القرى والبلدات الحدودية، على رأسها جكّة والطوقلي وراعل (شمال صوران).