عشرة موقوفين في قبضة «فرع المعلومات». ثلاثة مهربين وانتحاري ولوجستيون يُشكّلون «خلية انتحاريين»، نفّذ اثنان منهم تفجيري برج البراجنة، ولا تزال الأجهزة الأمنية تبحث عن انتحاريين اثنين تأخّر قدومهما. أما لائحة الأهداف في الضاحية فطويلة، وعلى الأغلب لن يكون تفجيرا برج البراجنة نهاية المطاف.
الأجهزة الأمنية سجّلت رقماً قياسياً في كشف ملابسات التفجيرين الإرهابيين، فكيف سارت الأمور؟
شاءت الصدف أن توقف دورية من فرع المعلومات، في طرابلس، المشتبه فيه اللبناني إبراهيم ج.، الثالثة فجر الخميس الماضي. اشتبه عناصر الدورية في الشاب الذي كان يقود درّاجته النارية في ذلك الوقت المتأخر، فلاحقوه من دون أن يعلموا أنه كان مزنّراً بحزام ناسف. حاول سحب مسدسه فانتُزع منه، ولدى محاولته سحب «عتلة» تفجير الحزام انكسرت، لتُنقذ الصدفة عناصر الدورية. كذلك عثر في حوزته على قنبلة يدوية. لم يتمكن عناصر الفرع من استجواب الموقوف فوراً، لكونه تحت تأثير الحبوب المخدّرة.

لم يصل الانتحاريان اللذان كان مقرراً أن يفجّرا نفسيهما في مستشفى الرسول



صباح الخميس، فُكِّكت عبوة ناسفة معدّة للتفجير في جبل محسن. لكن اليوم أُقفل على تفجيري برج البراجنة. اشتبه فرع المعلومات في احتمال أن يكون الانتحاريان من بين أفراد خلية ينتمي إليها الموقوف في طرابلس. تواصل رئيس فرع المعلومات العميد عماد عثمان مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، وأبلغه بتوقيف الانتحاريّ الذي لم يعترف بعد لأنه تحت تأثير الهلوسة، نتيجة تناوله كمية من الحبوب المخدّرة، بحسب ما أظهرته الفحوصات. أرسلت الجهات المعنية في الحزب الى عثمان صورة عن الحزام الناسف الذي لم ينفجر بأحد انتحاريي البرج، ليتبيّن أن الحزامين متشابهان تماماً. بعدها بدأ التحقيق مع إبراهيم: علاقاته وارتباطاته ومسار تنقلاته، بعدما كان عناصر الفرع قد باشروا تجميع خريطة اتصالاته ريثما يستعيد وعيه. وبالفعل، أقرّ إبراهيم بأنه كان ينوي تفجير نفسه بعد ظهر الخميس (يوم توقيفه) في جبل محسن، وأنه كان على علم بأن تفجيراً سيقع في الوقت نفسه في الضاحية. إزاء ذلك، كثّفت الأجهزة الأمنية (فرع المعلومات والأمن العام ومخابرات الجيش) وجهاز أمن المقاومة تحقيقاتها.
بداية، أنكر إبراهيم معرفته بالانتحاريين اللذين نفذا هجوم برج البراجنة، لكنّه عاد واعترف بأنهما ينتميان إلى الخلية التي ينتمي اليها. وكان عناصر الفرع التقني قد تمكنوا من تحديد «شبكة معارفه». وعبر داتا الاتصالات، تمكنوا من تحديد أفراد شبكة برج البراجنة. عندها دهمت قوة من الفرع، بمواكبة من عناصر حزب الله، شقة برج البراجنة، وأوقفوا ثلاثة سوريين، كان بينهم الرابط بين العقل المدبّر والانتحاريان. وخلال وقت قصير، اعترف الأخير بوجود شقة الأشرفية التي تُجهّز فيها الأحزمة الناسفة، والتي تؤوي العقل المدبّر ع. ش. الذي وصفه المحققون بأنه «نعيم عباس» ثانٍ، إذ إنه يملك سجلاً أمنياً نظيفاً، ولا يستعمل الهواتف الخلوية أبداً. دوهمت الشقة وأُوقف ع. ش. الذي اعترف بأنّ مهمته كانت استقبال الانتحاريين وإحضارهم إلى هذه الشقة ثم تأمين مكان لمبيتهم. وأقرّ بأن لديه لائحة أهداف في الضاحية الجنوبية يختار منها ما يُريد، وأن من ضمن المهمات الموكلة إليه استطلاع المنطقة المستهدفة ثم نقل الانتحاري إلى المكان المحدد. أما بقية الموقوفين، فأشارت المعلومات إلى أنّ معظمهم من العاملين في مجال البناء، وأغلبهم دخلوا إلى لبنان خلسة، وكانوا يشاركون في نقل المتفجرات و»طبخ» الأحزمة الناسفة وتسليمها للانتحاريين.
في موازاة ذلك، جنّد «الأمن العام» ضباطه وعناصره للعمل على كشف بقية أفراد الخلية. وخلال ساعات، تمكّن من توقيف اللبناني إبراهيم رايد والسوري مصطفى الجرف. وأعلن بيان للأمن العام أن «رايد اعترف بنقل أحد الانتحاريين من سوريا إلى شمال لبنان، ومن هناك أُعيد نقله إلى بيروت حيث جرى تسليمه كمية من المتفجرات»، وأن الجرف اعترف بتحويل أموال لمصلحة الشبكة الإرهابية وضبطت في حوزته كمية كبيرة من الأموال. وقد سلّم الأمن العام الموقوفين إلى فرع المعلومات للتوسّع في التحقيق معهما. وقد تعرّف رايد الى صورة أحد انتحاريي برج البراجنة، المدعو «أبو الوليد السوري»، بالاستناد إلى إفادة «نعيم عباس ٢». كذلك أقرّ الأخير بأن الخطة كانت تقضي بأن يفجّر إبراهيم ج. نفسه في جبل محسن بعد ظهر الخميس، على أن يتولى هو نقل انتحاريين إلى برج البراجنة كي ينفّذا هجوماً مزدوجاً. وفي موازاة ذلك، ينتظر انتحاريان آخران على أبواب مستشفى الرسول الأعظم قدوم سيارات الإسعاف، على أن يستغلا الفوضى التي تصاحب نقل الجرحى ليُفجّرا نفسيهما في الكادر الطبي للمستشفى. الموقوف أفاد بأنّه لسبب ما لم يصل سوى انتحاريين اثنين من الأربعة، فارتأى أن يكون الهدف شارعاً مكتظاً في برج البراجنة كونه أولوية على المستشفى. وعن الجهة التي يتلقى منها الأوامر، ذكر الموقوف أنّه مرتبط مباشرة بأحد قيادات تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة.
وأمس، دهمت قوة من فرع المعلومات منزل محمود سرور، في بلدة اللبوة البقاعية، للاشتباه فيه بتهريب الانتحاريين اللذين فجّرا نفسيهما في برج البراجنة لقاء بدل مالي، وأوقفته مع والده سعد سرور، وعثرت في المنزل على وثائق مزورة و٤٥٠ ألف دولار.
وبذلك، بلغ مجموع الموقوفين عشرة: أربعة لبنانيين وستة سوريين. ثلاثة من اللبنانيين تولّوا مهمة تهريب الانتحاريين ونقل المتفجرات. ورغم أن سعد ومحمود سرور أنكرا بداية معرفتهما بطبيعة عمل أفراد الخلية التي نقلوها، توقف المحققون عند المبالغ المالية التي كان يدفعها هؤلاء مقابل تهريبهم. وفي النهاية، اعترف الأب وابنه ورايد بأنهم كانوا يهرّبون أشخاصاً وأكياساً تحتوي على مواد متفجرة.
ولا تزال التحقيقات مستمرة لتحديد الطرق التي يسلكها المهرّبون لنقل الانتحاريين والمتفجرات، لا سيما أن عدداً من عمليات التهريب هذه جرت من منطقة القصر عبر الهرمل مقابل مبالغ مالية، بلغ أحدها ٥٠٠ دولار فقط.