في عام 1950، ارتفع مبنى مدرسة القديس فرنسيس للآباء الكبوشيين في قلب شارع الحمرا، واحتضن خليطاً ثقافياً متنوعاً. بقي هذا الصرح صامداً طيلة العقود الماضية، بما في ذلك سنوات الحرب الاهلية، حتى بات جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة المكان ونسيجه الاجتماعي، بل ان هذا المكان الذي تقوم فيه المدرسة (والكنيسة) بات يُعرف باسم «الكبوشية». اليوم، اتخذت الرئاسة العامة للرهبنة الكبوشية قراراً نهائياً بالإقفال، وصدّقت الإدارة العامة للرهبنة في روما على هذا القرار، ليُشطب بذلك تاريخ عمره 66 عاماً. القرار سينفذ في نهاية العام الدراسي الحالي، ما اثار موجة احتجاج واسعة من الأهالي، الذين قالوا إنهم فوجئوا به، ولا سيما أنهم لم يكونوا على علم بأن المسألة وصلت إلى حد إعلان الإفلاس. وأعرب بعض الأهالي، الذين اعتصموا أمس مع أبنائهم في باحة المدرسة، عن خشيتهم من أن يرمى التلامذة في الطرقات ولا يجدوا لهم مقعداً دراسياً في مكان آخر، نظراً لكونهم قد تبلّغوا القرار بصورة متأخرة، فيما لم تقطع المدرسة، كما قالوا، وعداً لهم باستيعاب أولادهم في فروعها الأخرى. أحد الآباء شكك في الأسباب المعطاة للإقفال وهي العجز المالي، وقال: «لا أصدق أن هناك مدرسة خاصة تخسر». فيما رفع المعتصمون لافتات تعكس ارتباطهم العاطفي بالمدرسة «بيتنا اسمو الكبوشية، ما تهجرونا منّو، هيدي المدرسة إلنا حتى لو أخدوها منّا، مدرستنا تاريخ ومن دون الكبوشية ما في تاريخ، وين المحبين، وين الكبوشيين؟».
قرار الإقفال سينفذ نهاية العام الدراسي الحالي

لجنة الأهل وصفت بعض مخاوف الأهالي حيال توفير المقعد الدراسي البديل بالمبالغ بها. إلاّ أن اللجنة لم تنف أن الخبر نفسه وقع كالصاعقة علينا جميعاً، فهي لم تبلغ قرار الاقفال الا منذ نحو أسبوع فقط. وتروي أنها سمعت بوجود نية الاقفال في بداية العام الدراسي الحالي 2015 ــ2016، لكن جواب الأب المسؤول عن المدرسة كان حينها «هذا الأمر عارٍ من الصحة». وتقول إنها اقترحت عليه يومها إرسال تعميم مكتوب للأهل تكذيباً للشائعة، فرفض الأمر مكتفياً بالإنكار الشفهي. وتشير اللجنة إلى أن التبليغ الرسمي للقرار وصل تحديداً في 12/4/2016 إلى الأساتذة ولجنة الأهل، بعدما انهت المدرسة جميع الإجراءات القانونية لاعلان الإقفال من وزارة التربية ووزارة العمل. تلفت اللجنة إلى أن إدارة المدرسة كانت تعرض عليها في الأعوام الماضية موازنات مكسورة رغم زيادة الأقساط في العامين الماضيين بنسبة 15%، بينما وافقت اللجنة هذا العام على زيادة 200 ألف ليرة عن كل تلميذ من دون أن يكون لهذه الزيادات أي تأثير في قرار الاقفال. يذكر أن معدل الأقساط في المدرسة يبلغ 5 ملايين ليرة لبنانية وسطيا.
الإصرار على الإقفال دفع اللجنة إلى التحرك بالتنسيق مع الأساتذة، إذ اجتمعت مع الأب المدير والأب المسؤول المالي، فأكدا عدم قدرة أحد على تغيير القرار، باعتبار أن العجز كبير.
بتاريخ 16 نيسان الجاري، اجتمعت اللجنة بالرئيس العام للرهبنة الكبوشية الأب طوني حداد، الذي استمع للطروحات والحلول التي يمكن أن تنقذ المدرسة، وقالت اللجنة هنا إنها تعهدت سد القدر المستطاع من العجز والقيام بخطط لزيادة عدد الطلاب والضغط على الأهل لتسديد كامل الأقساط المتوجبة عليهم واستعداد الأهل لتحمل زيادة ثانية. لكن الرئيس العام أجاب أن التحرك يأتي متأخراً، فالقرار صدر عن الإدارة العامة للرهبنة في روما، مشيراً إلى أن لجنة الأهل كانت على علم مسبق بمدى سوء الأوضاع المالية، التي أدت إلى اتخاذ قرار إقفال المدرسة نهائياً، وهو أمر نفته اللجنة نفياً قاطعاً. ولدى سؤال اللجنة الرئيس العام عن مصير الصرح، قال حداد: «ليس لدينا أي تصور للسنتين المقبلتين على الأقل».
تبرير الإدارة لهذا الإجراء، بحسب مدير المدرسة الأب عبد الله النفيلي، هو عدم قدرة المدرسة على الاستمرار نظراً لتناقص عدد الطلاب على امتداد السنوات الخمس الماضية حتى اليوم، إلى أن وصل العدد الحالي إلى ما يقارب 377 طالباً فقط مقابل 55 أستاذاً، إضافة إلى تخلف الأهل عن دفع أقساط أولادهم التي تراكمت من سنة إلى أخرى من دون قيام إدارة المدرسة بأي إجراء قانوني بحقهم، ما زاد في عجز الموازنة واوقع المدرسة في مشكلة السيولة المالية. يقول النفيلي إن الأسباب اقتصادية بحتة، وقد قامت الرهبنة بكل واجباتها تجاه هذا الصرح، الذي يعاني العجز منذ عام 2008، وقد دفعت حتى الآن ما يزيد على مليار ليرة لبنانية وهناك كسور نتيجة عدم دفع الأقساط توازي مئات ملايين الليرات. يستغرب النفيلي ما أشيع عن بيع العقار أو الحديث عن تهديم المبنى وبناء مجمع تجاري مكانه قائلاً: «أعوذ بالله الأرض لنا وستبقى لنا وباقون هنا وستستمر الكنيسة في نشر رسالتها الكبوشية».
ماذا عن مصير الأساتذة والتلامذة؟ يجيب: «الأساتذة سيأخذون تعويضاتهم على آخر قرش وسنحاول مساعدتهم عبر ارسال سيرهم الذاتية إلى إدارات بعض المدارس التابعة للرهبنة أو الصديقة لها من أجل توفير فرص عمل بديلة لهم، وكذلك سنفعل بالنسبة إلى التلامذة الذي نحاول أن نؤمن مقاعد لهم في فروعنا الأخرى، وإن كنا نعترف أنها قد لا تستوعبهم جميعاً». لماذا لم يتم تبليغ الأهالي القرار في بداية العام الدراسي؟ يؤكد أن «القرار متخذ سابقاً لكن لم نكن نريد الشوشرة والتشويش على التلامذة، في محاولة لتوفير أجواء مناسبة للدرس، والأساتذة وافقوا على الاستمرار معنا رغم ألمهم».