طهران| «أجالس الحاج قاسم سليماني وأطلع منه على الوضع الميداني في المنطقة بشكل دوري» يقول السياسي الإيراني الرفيع المستوى والمكلف ملفات المنطقة، قاصداً بذلك الاستدلال على المعادلة التي افتتح بها حديثه عن شؤون الإقليم: «ما يحسم الوجهات السياسية التي تسير بها أزمات المنطقة هو الميدان قبل أي شيء آخر». الجمهورية الإسلامية، وفقاً للمسؤول نفسه، تعي جيداً «التعقيد الشديد لظروف المنطقة وتتصرف على هذا الأساس»، علماً بأن في مقدمة حساباتها إدراكها أن «الأميركيين يريدون أن يقطفوا ثمار الأزمات في المنطقة لمصلحتهم».
ولا حاجة «لإيضاح مدى عداء واشنطن لإيران وحزب الله»، إذ إنه «بحسب فهمنا، لديهم هدفان: الأول، الثورة في إيران القائمة على ولاية الفقية. الشكل ليس مهماً؛ هم يريدون تدمير المضمون. الثاني: قوة إسرائيل». ولا يرى المسؤول الإيراني أنه يكشف سرّاً عندما يشير إلى أن الأميركيين «خلال المفاوضات النووية كانوا يتجهون دائماً نحو ملفات المنطقة، وطالما قالوا إن النووي ليس مهماً ويمكن حله بسهولة، وعلينا أن نبحث في شؤون المنطقة». ومن الواضح بالنسبة إلى دوائر صناعة القرار في طهران أن «الأميركيين مستعجلون؛ هم يسعون إلى إنجاز المقدار الأكبر من أهدافهم قبل الانتخابات الأميركية... لكننا لسنا في عجلة من أمرنا».
لكن ماذا عن موسكو، المحور المقرّر سلفاً للقاء الخاص بين المسؤول الإيراني و»الأخبار»، أخذاً بعين الاعتبار أنه ربما الشخصية السياسية الأكثر اطلاعاً على مجريات السياسة الروسية في المنطقة. «ليس لدينا إستراتيجية مشتركة متكاملة الأبعاد مع الروس، ففي موضوع إسرائيل مثلاً نحن على طرفي نقيض». يضيف شارحاً «نعتقد أن بوتين يريد الحصول على أوراق في المنطقة ولديه أهداف متعددة: أولاً ممارسة الضغط على أميركا للحد من ضغوط الأخيرة عليه. ثانياً: محاربة الإرهاب الذي يمثّل تهديداً على الأمن القومي الروسي. ثالثاً: بوتين يريد اقتدار روسيا». يشابك أصابع يديه قبل أن يستطرد موضحاً «هو يريد الاستفادة من نموذج الحرب الباردة في صناعة قوة روسيا، لكنه ليس في وارد أن يحارب أميركا لأجل ذلك. على سبيل المثال، عشية الهجوم الأميركي (الذي كان مقرراً على أثر اتهام النظام باستخدام الكيميائي قبل عامين) على سوريا، قال الروس لنا نحن كنا معكم حتى هنا… لكن إذا دخل الأميركيون في الحرب السورية، فإننا سنعمل على رفع كلفة هذا التدخل في وجههم، لكننا لن نحاربهم بالمباشر». نستوضح أكثر عن كواليس تلك العشية، فيمضي المسؤول الإيراني في استطراده: «التراجع في الموقف الأميركي (عن الهجوم) يعود إلى تدخلنا لدى الروس. لقد تحدثنا معهم بصراحة عشية الهجوم المقرر وقلنا لهم إن الأميركيين سوف يهاجمون سوريا، بمعزل عن ادعائهم أنهم لا يريدون استهداف الرئيس بشار الأسد أو مؤسسات الدولة الروسية. نحن عبر القناتين الدبلوماسية والأمنية أوضحنا أن تل أبيب سوف تكون عرضة للاستهداف قبل أن تسقط الصواريخ الأميركية على الأراضي السورية، ولا نعلم من سيفعل ذلك، إذ إن هناك الكثير من المجموعات غير المنضبطة في المنطقة. الروس شعروا بالرعب ونقلوا هذه الأجواء إلى الأميركيين، مشددين على أن القصف الأميركي لسوريا سيقود إلى حرب إقليمية». ضمن هذا السياق، يشرح المسؤول الإيراني بلغة واثقة «نحن نعتقد أن التطابق في الإستراتيجيات بيننا وبين الروس يخدمنا، كما هو حال التعارض في ما بينهم وبين الأميركيين». لذلك «علينا الاستفادة من روسيا وإعطاؤها الفرص والأوراق.. لكن يجب مراقبتها دائماً، لأنهم عندما تتطابق مصالحهم مع الأميركيين سيكون هناك خلل. نعتقد أن تواصلنا مع الروس يزيد من تأثيرنا عليهم».
وعن حقيقة الموقف الروسي الملتبس من النظام في سوريا ومستقبل الرئيس بشار الأسد يشرح المسؤول الإيراني: «البعض في دوائر صناعة القرار الروسية يعتقد بأن رحيل الرئيس الأسد مع النظام في سوريا لن يؤدي إلى حصول مشكلة. أحدهم قال لنا سابقاً لا يمكننا دفع المزيد من الكلفة لبقاء بشار الأسد. نحن شرحنا لهم خطأ هذه الفكرة وأوضحنا لهم أن الرئيس بشار هو كخيط السبحة، وإذا انقطع فسوف ينفرط عقد كل الحبات. في البدايات كان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يحاول استقطاب نظيره الروسي، (سيرغي) لافروف، لصفقة كهذه (رحيل الأسد وبقاء النظام)، وقال له إن واشنطن ستتولى تهدئة تركيا والسعودية وقطر وعلى روسيا أن تتولى إيران. لافروف كان مدركاً للإصرار والثبات الإيرانيين في شأن الرئيس الأسد، وقال لكيري إذا وافقنا على رحيله وأصر هو على البقاء فإننا سنخسره كحليف. كيري قال إذا توافقنا فسوف يرحل بشار. لافروف أجاب أن الإيرانيين لن يسمحوا برحيل الأسد وأنتم خلال سنوات أثبتم أنكم لن تصلوا إلى نتيجة في التصادم مع إيران، وإيران تكون دائماً رابحة في صراعها معكم. وأضاف لافروف: حتى لو مشينا معكم في مسألة رحيل الرئيس الأسد، فإن حليفنا الإيراني لن يقبل ذلك وتالياً سيبقى بشار، وفي هذه الحالة سنخسر حليفينا الإيراني والسوري، ونحن لا نثق بكم ولن نواكبكم في هذا الأمر».
بعد هذا الاستطراد، يهتم مضيفنا الإيراني بتوضيح أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعارض منذ البداية التوجه في بعض أروقة إدارته إلى إقصاء الرئيس الأسد. «ليس لدينا تقدير أن بوتين يلعب في الملعب الأميركي... هو لا يريد الحرب، لكنه يريد استعادة اقتدار روسيا. المشكلة أن محيطه لديه نزعة غربية. العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا في مسألة أوكرانيا، قبل أشهر، أدت إلى تضرر الكثيرين في الطبقة الحاكمة الروسية. فالجميع هناك رجال أعمال، والحظر يؤثر عليهم. لذلك هم يعتقدون أنه في وقت ما يجب التوصل إلى اتفاق مع أميركا، خلافاً لنا نحن، إذ اننا لا نبحث عن أي اتفاق مع أميركا»، لكن، يرى المسؤول الإيراني أنه لا بدّ من الاستدراك، «يبدو لنا أنه قد حصلت تطورات خلال الأسابيع الأخيرة: مشاكل أميركا وروسيا كثيرة جداً وهي تتزايد. مثلاً طائرة سيناء، حيث هناك دوائر روسية تعتقد أن الـCIA لها يد في إسقاط الطائرة. انطباعنا هو أن بوتين يتصرف بطريقة تختلف عن الماضي. في القضايا الإقليمية المتفق عليها تقدمنا معاً. في بعض الحالات هم يعرفون طاقاتنا ويكونون إلى جانبنا، لكن بحدود. اليمن مثال على ذلك: في البداية كانوا متحفظين، لكن مع شعورهم بأن إستراتيجيتنا سوف تنجح فتحوا اتصالاً معنا، والآن موقفهم صار أقرب إلى موقفنا، وخصوصاً بعد دخولهم الحرب في سوريا. مواقفهم السياسية صارت أكثر وضوحاً، علماً بأن ذلك لا يلغي مراعاتهم الواسعة للسعودية». نسأل عن الأسباب. الجواب «أهمها هو أنهم يشعرون بالشكر تجاهها نتيجة مساعدتها لهم في العودة إلى مصر بعد طرد السادات إياهم». الخلاصة: «الروس يبحثون عن مصالحهم قبل أي شيء آخر».