بلغ التراجع الذي حكم مؤشّر «EGX 30» المعياري في البورصة المصريّة، أوّل من أمس، معدل الـ 10 في المئة، ليكون التراجع قد بلغ 17 في المئة خلال يومين فقط. وشاءت حظوظ السلطات أن يحصل «يوم الغضب» الكبير نهار جمعة، حين يتوقّف التداول في السوق الماليّة حتّى يوم الأحد. ووفق الأرقام، يكون المؤشّر المعياري قد تراجع، منذ بداية العام، بنسبة 20.94 في المئة، وهو أمر يُزعج كثيراً الشركات التي يرعاها نظام حسني مبارك في منظومة الفساد، حيث تغرق حالياً أرقام 181 شركة في «الأحمر»، فيما تحسّن سعر أسهم 3 شركات فقط، وبقي سعر سهم شركة واحدة ثابتاً.
وإن كان توقف عمل الأسواق المالية يوم الجمعة قد أنقذ بورصة القاهرة والشركات المدرجة فيها مؤقتاً، فإنّ تأثير «ثورة النيل» كان واضحاً على الأسواق العالميّة؛ فمع ازدياد الضغوط الشعبيّة في شوارع مصر، كان مؤشّر «Dow Jones» الأميركي (وهو مؤشّر يضمّ أسهم الشركات الصناعيّة ويُرصد في بورصة نيويورك) يتراجع عن أعلى معدّل مسجّل خلال 29 شهراً. طبعاً لم يكن الغضب المصري العامل الوحيد المؤثِّر في هذا السوق، غير أنّه أسهم في زعزعة شعور المستثمرين.
كذلك انسحب تأثير الغضب المصري على أسواق النفط، إذ ارتفع سعر البرميل المتداول وفقاً للعقود الآجلة في البورصة الأميركيّة بواقع 3 دولارات، ليلامس عتبة الـ 90 دولاراً. ودعم هذا التوجّه الصعودي أيضاً بيانات نموّ الاقتصاد الأميركي في الفصل الأخير من العام الماضي.
أمّا اللافت يوم أمس، فكان إقبال المستثمرين على شراء سندات الدين الأميركي الذي يُعَدّ استثماراً آمناً (نظراً لأنّه دين حكومي)، لدرجة أنّه يمكن القول إنّ «ثورة النيل» تدعم الخزينة الأميركيّة التي تئنّ تحت دين هائل يمثّل 60 في المئة من الناتج القومي، ومن المتوقّع أن يتضخّم أكثر مع بلوغ العجز في المالية العامّة 1.5 تريليون دولار في عام 2011.
هذه التطوّرات توضح طبيعة المنظور الذي تقرأ بموجبه الأسواق ما يحدث من تحوّلات في البلد العربي المنتج للنفط، وهو الذي يُعَدّ اقتصاداً مترهّلاً بمعدّلات نموّ اصطناعيّة يمكن تشبيهها إلى حدّ كبير بمعدّلات النموّ اللبنانيّة.
وردّ الفعل الأبرز على تلك التحوّلات، تمثّل في قرار وكالة التصنيف الائتماني، «Fitch»، خفض توقّعاتها لأفق الاقتصاد المصري إلى «سلبي»، رغم أنّها أبقت على تصنيفاتها الأخرى للبلد الأفريقي الشمالي، وبينها تصنيف إصدارات سندات الدين الخارجيّة التي بقيت عند مستوى «BB+»، أي مستوى «الاستثمار».
ويعكس التعديل في التوقّعات الاقتصاديّة التطوّرات وتحرُّك الشارع و«عدم اليقين الذي يضيفه ذلك إلى الآفاق الاقتصاديّة والسياسيّة قبل الانتخابات (الرئاسيّة) في أيلول المقبل»، وفقاً لما نقلته التقارير الإعلاميّة عن رئيس قسم التصنيفات السياديّة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوكالة، ريتشارد فوكس.
والواقع هو أنّ حركة الاستثمار في مصر، إضافةً إلى المؤشّرات الاقتصادية الإجمالية، تدعو إلى التساؤل في أكثر من جانب. فخلال السنوات الماضية، حقّقت البلاد نسبة نمو تراوح بين 5 في المئة و8 في المئة. ومن المتوقّع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 6 في المئة في 2011، غير أنّ منافع هذا النموّ بقيت متركّزة في قطاعات محدّدة، واستفاد منها قلّة، حيث يُقدّر البعض أن 25 في المئة من المصريين يعيشون البطالة، أي إنّ ربع الشعب لا يُنتج ويعيش حياة اجتماعيّة طبيعيّة. كذلك يستشري الفساد الذي يديره النظام من حيث تنفيع الشركات وتحديد الصفقات، لدرجة أنّ 40 مليون شخص يمسّهم الفقر بطريقة أو بأخرى.
ومن الدلائل الأساسيّة على سوء الإدارة الاقتصادية ـــــ الاجتماعية، أنّ 25 في المئة من موازنة الحكومة (وفقاً للأرقام المتداولة) مخصّصة لدعم منتجات الطاقة والغذاء، ورغم ذلك، لا تزال الأمور مأساويّة ولا يزال الشعب جائعاً... مع أن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.