تونس| لوهلة نسي التونسيون ثورتهم، وتحلّقوا حول شاشات التلفزة لمتابعة الهبّة الشعبية المصرية. أنظار مشدودة أمام مشاهد المتظاهرين، التي تكرّر السيناريو التونسي بتفاصيله وهتافاته. لا يخفي التونسيون فخرهم بأنهم مصدّرو الثورات العربية الجديدة، حديثهم يوحي بذلك، فهم السابقون والآخرون لاحقون.مشاعر من الفرح تعتري المشاهدين للواقع المصري الثائر، ولا يتردد البعض في المقاهي عن ترداد «ليسقط الديكتاتور حسني مبارك»، تماماً كما كان هؤلاء يهتفون قبل فترة قصيرة لإسقاط الديكتاتور زين العابدين بن علي. بالنسبة إلى الكثير من التونسيين فإن «كل الحكّام العرب سواء، ولا بد أن يبدأوا بالتساقط الواحد تلو الآخر»، هذا ما يقوله أسامة، الذي شارك في التظاهرات التي اجتاحت تونس خلال الأسابيع الماضية.
أسامة، الذي تابع مساء الجمعة خطاب حسني مبارك على شاشات التلفزة، عمد إلى إسقاط التجربة التونسية على الحدث في القاهرة وغيرها من المدن. ويرى بكثير من السخرية أنه «لا يزال أمام الرئيس المصري خطابان قبل أن يولّي هارباً»، في إشارة إلى خطابات زين العابدين بن علي الثلاثة التي سبقت سقوطه على وقع الهتافات الجماهيرية.
الحديث التونسي عن واقع الحال في مصر يوازي الكلام في السياسة والتركيبة الحكومية، والمواقف الحزبية منها، وحتى يتفوّق عليه، باعتبار أن الحدث الثوري في العالم العربي اليوم هو مصري، بعدما فتحت تونس الباب على مصراعيه لرياح التغيير. ولم يتوانَ العديد من التونسيّين عن التظاهر أمام السفارة المصرية للتضامن مع أقرانهم المصريين، رافعين شعار «مبارك ارحل». كما هتف بعض المتظاهرين «مبارك، بن علي ينتظرك في السعودية».
سامي يرى أن مصر تأخرت، وكان من المفترض أن تكون سبّاقة «لكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً». ويفسّر موقفه أن «واقع القمع والفساد في تونس كان مكتوماً، ولم يبدأ بالظهور بشكل واسع إلا في السنتين الأخيرتين، بينما الحال في مصر مختلفة، إذ إن الفساد شبه علني ومدار حديث في الشارع على نطاق واسع».
ويروي سامي أنه زار مصر قبل فترة وجيزة، ولمس «الاستياء في الشارع وبطريقة علنية، على عكس ما كان قائماً في تونس أيام الديكتاتور، حيث لم يكن حديث الفساد يتجاوز جدران البيت»، وبناءً على هذا يشير إلى أن الشارع المصري كان مؤهّلاً أكثر للقيام بالثورة، لكنه لا يخفي فخره بأن «تونس كانت السبّاقة» إلى ذلك.
اليساريون في تونس استغلوا الاحتجاجات في بلادهم لإعادة إحياء أغاني الشيخ إمام، وهم اليوم يرددونها أثناء متابعة الأحداث في القاهرة والإسكندرية والسويس وغيرها من المحافظات المصرية. «اصحي يا مصر طال النوم»، «كلمتين لمصر»، «الله حي»، وكثير غيرها من الأغاني يذكرها عبد الله أثناء حديثه عن التأثير الذي أحدثته أغاني «الشيخ»، كما يفضّل موديه مناداته، في تحديد انتمائه السياسي.
عبد الله، الممثل المسرحي، يرى أيضاً أن مقومات الثورة في مصر كانت أوضح منها في تونس، لكنه مسرور لأن «رياح التغيير تحمل عبق الياسمين التونسي». ومع ذلك يبدي مخاوف على وضع بلاده، وعلى ما ستؤول إليه الأمور في مصر. والخوف الأبرز بالنسبة إليه هو من ما سماه «سرقة الإسلاميين للثورة الشعبية»، وهو إذ يرى أن الوضع في تونس صعب، «على الأقل في المرحلة الحالية»، فإنه يرى أن «الوضع في مصر مختلف وأكثر قبولاً للسيطرة الإسلاميّة».
الناشط السياسي أميّة الصديق ينظر إلى ما يحدث في القاهرة بكثير من الاهتمام على اعتبار أن «التغيير في مصر، في حال حدوثه، فإن من شأنه تبديل وجه المنطقة برمتها». وهو إذ يشعر بالاعتزاز لكون التغيير بدأ من تونس، فإنه يرى فرقاً بين «بلد العشرة ملايين وبلد الثمانين مليوناً». ويشير إلى أن «النجاح في القاهرة سيكون المنطلق الأساس» لتحقيق كل ما كان يصبو إليه المعارضون العرب على مدى عشرات السنين.
المصريون في تونس أيضاً لديهم ما يقولونه وهم يشاهدون واقع بلادهم واحتمالات تكرار النموذج التونسي فيها. صحافي مصري عامل في تونس، فضّل عدم ذكر اسمه، يبدي فرحه من «الصحوة الشعبية في القاهرة»، مشيراً إلى أنّ ما «حدث في تونس أعاد إلى الشعب ثقته بنفسه، وأنه قادر على إحداث تغيير»، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى فرق بين الحركتين في مصر وتونس. ويرى أنّ ما حدث في «ثورة الياسمين» كان هبّة شعبية التحقت بها الأحزاب، لكن الوضع في مصر مختلف، خاصّاً بالذكر «الإخوان المسلمين» وقدرتهم على الإمساك بالشارع ومساهمتهم الأساسيّة في الحركة الشعبية الأخيرة. ووفق هذا السياق، يبدي الصحافي المصري خشيته من «صفقات تحت الطاولة» تجري بين النظام و«الإخوان»، ولا سيما أن الطرفين اعتادا الصفقات في المرحلة الماضية، والأمر قد يتكرر حالياً. ويدلّل على هذه الخشية، حسب رأيه، بأن «الإخوان» ليسوا في وارد تسّلم الحكم حالياً في مصر، وخصوصاً بعد فشلهم في غزّة، وقد «يكتفون في المرحلة الحالية في تحقيق القدر الأكبر من المكاسب السياسية والمشروعيّة القانونية».
آراء مختلفة، لكنها كلها تُجمع على أن الحدث المصري لا ينفصل أبداً عمّا حدث في تونس، وأن عطر الياسيمن الذي فاح من أرض قرطاج وصل ضوعه إلى أرض الفراعنة، ولا شك سيكمل المسير إلى حاضرة بترا الأردنية ومملكة سبأ اليمنية.