قبل أن ينجح أحد من داخل مصر في مصادرة التحرّكات الشعبيّة، بدأت أصوات خارجيّة، عربيّة وغربيّة، تعمل من أجل مصادرة كهذه. افتتح الحفلةَ إليوت أبرامز في الـ«واشنطن بوست» السبت الفائت، ولحقت به تنويعات لبنانيّة وعربيّة تعزف على الوتر نفسه. بخفّة مطلقة، كتب أبرامز ليقول إنّ الاحتجاجات المصريّة تثبت أنّ جورج بوش كان محقّاً بشأن الحريّة في العالم العربي. وبتزوير فاضح، يتجاهل أبرامز أنّ المسألة الأساس بالنسبة إلى المحافظين الجُدد لم تكن يوماً توق العرب إلى الحريّة. العرب كانوا خارج النقاش الذي تمحور دائماً حول الوسيلة الفضلى لضمان أمن الولايات المتّحدة الأميركيّة، وما إذا كان شنّ الحروب باسم نشر الديموقراطيّة يجعل من الأمبراطوريّة مكاناً أكثر أماناً.أبرامز وشلّته من المحافظين الجدد والليبراليّين العرب الجدد لم يكافحوا نظريّة الاستثناء العربي، بل روّجوا لها، معتبرين أنّ العرب لا يستطيعون التقدّم نحو الحرية إلا بدفع من القوى الغربيّة، وذلك بسبب عجز العرب وثقافة الاستبداد التي يستبطنونها. وكان أبرامز وشلّته يشعرون بالراحة لإيمانهم بهذا الاستثناء. فالحريّة لن تزهر إلا حيث يشاء السيّد الأميركيّ. ولا بأس بديموقراطيّة أقلّ حين تعني إسلاميّين أقلّ، وحين تعني عداءً لإسرائيل أقلّ.
ليس سرّاً أنّ أميركا لم تدعم ثورات ملوّنة في العالم العربي. فسرعان ما اكتشف بوش وفريقه أنّ أيّ دَمَقْرَطة في أيّ دولة عربيّة لن تكون لمصلحة مزيد من التعاون مع الولايات المتّحدة في المجالات الأمنيّة والعسكريّة والسياسيّة. فالشعوب العربيّة، إجمالاً، ترى في أميركا الحليف الأوّل لإسرائيل. والشعوب العربيّة، إجمالاً، ما زالت تعارض تطبيع العلاقات مع إسرائيل. والشعوب العربيّة، إجمالاً، ما زالت تدعم المقاومة ضدّ إسرائيل حين تستطيع إلى ذلك سبيلاً. وهذا موقف سياسيّ أساساً، بصرف النظر عن أيّ موقف ثقافي من «الغرب»، وأيّ موقف تشكيكيّ في الحداثة.
الثورة الملوّنة الوحيدة عربياً وقعت في لبنان، تحديداً لأنّ فئة من اللبنانيّين التقت مصالحها في لحظة معيّنة مع الإدارة الأميركيّة التي أرادت استخدام الساحة اللبنانيّة كورقة ضغط على سوريا آنذاك، ثمّ للتفاوض مع إيران لاحقاً، ولإراحة إسرائيل في جميع الأحوال. لم تلقَ ثورة الأرز دعماً أميركياً لكونها تدافع عن الحريّة والاستقلال، كما يدّعي أبرامز. لكنّ الأخير معذور في الخلط بين تلك «الثورة الملوّنة» وثورة أبناء النيل. أمّا المثيرون للشفقة، فهم أولئك الذين يعلنون باسم 14 آذار أبوّتهم ووصايتهم على الثوّار المصريّين، فيما ترتعد فرائصهم لرحيل حسني مبارك.