في اليوم الرابع لبدء التظاهرات المصرية، تساءل دبلوماسي روسي عن سر اختفاء الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى. كان يتكلّم عن شعبية هذا الرجل لدى المصريين، مستغرباً صمته. بدا واثقاً بأنّ موسى لن يكون صورة ثانية لمبارك، ولن يكون رجل أميركا الآخر، فخطابه الحقيقي أقرب إلى اليسارية...أربعة أيام مرّت على الاحتجاجات الشعبية المصرية كانت كفيلة بإدراك روسيا أن النظام يقترب من السقوط. راحت تفكّر في البديل من دون أن يكون لديها مرشح. سألت عن موسى من دون أن يكون مرشحها، وسط صمت رسمي كسرته وزارة الخارجية. فيما شُغلت الشخصيتان الرئيسيتان في البلاد، الرئيس ديميتري مدفيديف ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين، بالمشاكل الداخلية. راحا يتابعان وصحفهما التحقيقات المتعلقة بالتفجير الإرهابي في مطار موسكو ـــــ دوموديدوف، فيما كانت ضفة أخرى تشهد تداعي نظام بلد كان حليفاً لهما أيام جمال عبد الناصر.
وزارة الخارجية الروسية بعثت برسالة إلى وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، جاء فيها أنه يجب «ضمان السلم الأهلي» للتمكن من تحقيق «تطلعات الشعب»، وأملت أن «تتحمل مصر والمجتمع مسؤولياتهما، ويبذلا ما في وسعهما لإرساء استقرار الوضع وضمان السلم الأهلي، من أجل التقدم وتحقيق تطلعات الشعب».
لا يُقاس الصمت الروسي بعدد التصريحات السياسية، بل بمدى فعالية هذه التصريحات، لكن سقوط نظام من أقوى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، قد يفتح الطريق مجدداً أمام الروس للدخول إلى ساحاتهم القديمة.
البحث عن احتمال كهذا بين الصحف يعطي جواباً مختلفاً. فصحيفة «روسيسكايا غازيتا» قالت إنه «بوسع المرء منذ الآن التنبؤ بنتائج هذه الثورة وانعكاساتها»، مشيرةً إلى أن عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط خسرت أحد لاعبيها الأساسيين. وقد تصل إلى السلطة أحزاب إسلامية تناهض قيم الحضارة الغربية. أما روسيا، فربما ستخسر لبعض الوقت المنتجعات المصرية المفضلة».
أما صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا»، فتناولت الأحداث المصرية من الناحية الاقتصادية، فقالت إن ثورة النيل «أدت إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، ما انعكس إيجاباً على الميزانية الروسية». وأوضحت أن الاضطرابات تمثّل خطراً على استقرار إمدادات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة، ما يصب في مصلحة روسيا. وحدها صحيفة «فيدوموستي» كشفت السرّ المعلن، وقالت إن أحداث مصر أكدت أن «مواقع أوروبا والولايات المتحدة في الشرق عرضة لخطر».
ما كتبته «روسيسكايا غازيتا» و«نيزافيسيمايا غازيتا» يتكامل مع البراغماتية الروسية الحالية. هذا ما يبرر حتى عدم تطرق هاتين الصحيفتين إلى أزمة الشعب مع نظام مبارك، بل التركيز على الفائدة الاقتصادية، الخوف من صعود الإسلاميين، وخسارة السياحة لبعض الوقت. من هنا، يُخطئ من يقارن بين روسيا الاتحادية والاتحاد السوفياتي في مقاربة الوضع في المنطقة.
تحليلاتٌ تصبّ في خانة الموقف الروسي الحالي من الأزمة. فموسكو، لم تعد تريد الهيمنة. باتت تخشى سقوطاً آخر بعد سقوط روسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي، يضاف إلى ذلك أن روسيا لا ترى اليوم حاجة إلى التدخل في الشرق الأوسط، باعتبار أنّ وجود الاتحاد السوفياتي في المنطقة كان في إطار صراعه مع الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة.
في المقابل، يقول البعض إنّ رفض روسيا الحالي لمبدأ الهيمنة لا يعبّر عن مقاربتها السياسية الجديدة في المنطقة، بقدر ما يشير إلى عجزها عن حجز دور لها في الوقت الحالي، والدليل على ذلك هو عدم طرحها أيّ مرشح بديل عن مبارك. أما الصمت الروسي الرسمي فهو منوط بالحيرة الروسية. ثم ماذا لديهم ليقولوه؟
انتهت حرب تشرين الأول عام 1973 بعد صدور قرار وقف إطلاق النار. استمرت الانتهاكات الإسرائيلية فبعث الرئيس السوفياتي ليونيد بريجنيف في ذلك الوقت رسالة إلى واشنطن وصف فيها السلوك الإسرائيلي بأنه «أمر غير مقبول». ومع استمرار الانتهاكات، أعلن بريجنيف أن استمرار العدوان الإسرائيلي سيؤدّي إلى عواقب وخيمة، وسيقرر الاتحاد السوفياتي بنفسه الخطوات الضرورية والعاجلة لتأكيد احترام وقف إطلاق النار...
في كانون الثاني عام 2011، وبينما كانت مصر تصرخ «الشعب يريد إسقاط النظام»، صمتت روسيا. لا مكان لها حالياً في الشرق الأوسط.