الهروب من النيران الصديقة
راكضة أنت!
كما يركض النمر بجانب طريق النهر؛
راكضة لأن المشهد لا نهاية له في زوايا الفقر!
حرارة السواد تشعّ منك.
تحرق ما تبقى لك من المرجان الأسود
وخرز اللؤلؤ وتبخر الماء الخجول من نضارة شفتيك
وتنير الليل وساعات الليل!
أسرعي، أسرعي!

لم يحن الوقت لتستريحي في أحضان مورفيوس!
الشارع ملتوٍ بشهوة القصف،
العالم بعيونه المتوحشة الواسعة،
ينتظر زفير خمسمائة سنة؛
لمعالجة الكماليات بعد موتك
اركضي حتى تموت الجاذبية الأرضية!
ويقفز رحمك كالكبريت المشتعلّ
ويرقص الشهيق الإلهي،
حتى يتحول القصف إلى سيقان طويلة جداً
سيقان من هيكل عظمي
مغموسة في أحذية الأحلام المحروقة
الموت هنا ينتظر رعيته
في قلب الحياة!
اركضي ومزقي كل الصور الظلية
في ذاكرة الكاميرات الضخمة؛ في جفون العالم
لينجو وجه طفلك
سليماً متعطشاً من آثار الدهشة والطيور الجارحة
اركضي يا امرأة مشبعة بالحياة حتى الحلق
بفم دافئ، وعرق بدائي وقلب متوحش
مزقي أزرق السماء الملكي
أيتها الآلهة الهاربة من نيران الحرب
من نبض إيقاع الآنين
اركضي ودعينا نتعلم كيف نركض ونحرر أنفسنا ببطء.

المكان الذي يتفتت بين االسبابة والإبهام

عاماً بعد عام
يأتون بالجرافات المالحة والقذائف الحليقة
وفي مكان ما بين الضوء والظلام،
والسماء والجحيم.
ندير وجوهنا لجهة اللاجدوى،
لا يمكننا أن ننظر إلى ما هو أبعد
من هذا الموت المتواصل
أظافرنا تحفر في سجن الذعر
ببطء تتقوس ظهورنا كجسر يربط بين عالم الصمت والخوف
وهاوية الرثاء
لتعبر أرواحنا وتخترق اللهب والأدغال،
خشخشة الحشرات، وعواء الوحوش
إنها سنة أخرى للحرب البغيضة
ستنتهي كما هي،
مضاءة بالوجوه المكسورة،
تنكمش للأسفل في حجم يناسبها
داخل مثلث الهواجس البعيدة
نموت بطيئاً مثل همسة من جذوع أشجار «التيك» جرفها إعصار
بينما تتحرك عقارب الساعة في مدارها الرتيب
كأيادٍ في وجبة طعام سيئة المذاق
أصابع تدفع الأمل للوراء
وتحول وجوهنا وشماً لطقوس الحرب
وفي مكان آخر يضحك الموتى في الأرض الرطبة
وننتظر نحن المفاجأة الأخيرة.

تَميمَةٌ لشجرةِ المَانجُو

لا بدُّ لي أن أعبرَ
بينَ كلابِ المدينةِ
ومُوسيقى الصباح
تحت الرَّصاص
لكي أكتبَ على ساقِ شَجَرةِ المانجو
هذه القصيدةَ كذكرياتٍ تُمارسُ الحِيَلَ على يومٍ ماطر،
الطقسُ مُجَرَّدُ اِبتسامةٍ مُلتَوية
يمارسُ الانزلاقَ من خلال ثُقب السماءِ المضطرب
يَنِزُّ غرائبيةً غامضةٍ،
كغناءِ مشعوذٍ في أحلك أيام يناير الباردة!
ينبغي أن تكون هذه القصيدة زنبقة
أو تقويماً حياً في أنشودةٍ قديمةٍ
نُقِشَتْ في العَتَبةِ السِّريةِ للظلامِ الأَبدي
أو امرأة ترتدي شِبْشِبَها الصيفيِ
تَهُزُّ رأسَها وتقول:
أنتَ يا حبيبي على قيدِ الحياة
وَظِلُّ حذائِك يشبهُ البندقية قليلاً
تَحولتْ فقط لتصبح بروميثيوس.
النساءُ يعرفن كيف للموتِ أن يكون سعيداً
لذا يفضلنَ النَّوافذَ المفتوحةَ،
وابتسامةَ شجرةِ المانجو؛
والليلَ أو هذا الشعورَ السَّريع
الذي يشبه أسئلةَ نسيجِ الوجودِ بين الرَّعْدِ
والعاصفةِ خارجَ النافذة
أو مِحنَةَ العذاب البطيء لصورة السماء المنهارة،
حين يُغادرُ الرِّجَالُ للحَربِ.
لأنَّ النساءَ يعرفن كيف يكون الجُنودُ
أكثر الناس مقدرة على العشق
ويعرفن أنَّ الجنودَ يضعون الدانتيل على ظِلِّ الزِّناد
ويكتبون قصائدهم على جسد المرأة برائحة الهواء
لكن قصيدتي المنقوشة على ساق شجرة المانجو
لم تجرؤ على الوَعْدِ بوصولِ الصَّباح
ولا على النومِ تحت الأمطارِ النَّديةِ العَذبة،
ولا بالقُبْلةِ الحُلوةِ بين دِفءِ يَدَيكَ،
لأنَّ حُروفَها المُتلألِئَةِ غَرَقت
في الأزرقِ العَميقِ لرَائحةِ البَارُود.

* شاعرة من جنوب السودان