نقلت قناة «الجزيرة» تصريحاً لافتاً أمس عن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قال فيه إن الرئيس المصري حسني مبارك انتهى ومصر مقبلة على وضع جديد. وحيال ذلك، بدأت تل أبيب البحث في اليوم الذي يلي سقوط النظام المصري، وسط رفض وحزن وعتب على الولايات المتحدة لتخليها عن مبارك. عناوين البحث تضمنت احتلال معبر رفح، وتغيير عقيدة الجيش الإسرائيلي، وتمتين العلاقة مع الولايات المتحدة.
وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن الدولة العبرية «تنتظر من أي حكومة مصرية أن تحترم معاهدة السلام، وأن يطابق موقف الأسرة الدولية الموقف الإسرائيلي في هذا الخصوص». وأكد، في كلمة أمام الكنيست، أنه «إذا تحقق السيناريو المتفائل، فمن الممكن أن يتحقق الأمل في إرساء الديموقراطية والاستقرار في مصر، وبالتالي لن تمثّل هذه الدولة تهديداً للسلام». إلا أنه عاد واستدرك بأن «هناك تصوراً آخر، يتمثل في رغبة إيران في تحويل مصر إلى غزة رقم اثنين، وإعادتها إلى العصور الوسطى».
وحذر نتنياهو من أن عدم الاستقرار في مصر سيؤدي إلى «زعزعة الاستقرار في المنطقة لسنوات مقبلة»، مشيراً إلى أن «الصراع في مصر هو بين من يؤيّد الديموقراطية، ومن يريد الإسلام الراديكالي. ويمكن ألا تتحقق أي من النظرتين لوقت طويل، وأن يستمر انعدام الاستقرار والغموض لأعوام عدة».
وتابع نتنياهو «أنا واثق بأنه إذا انتصرت القوى التي تريد القيام بتغيير، وإذا انتصرت الإصلاحات، فإن هذا التغيير سيدفع قدماً نحو السلام ونحو إسرائيل في العالم العربي». وأضاف «لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، ويجب أن نرى الحقيقة كما هي».
من جهته، انتقد وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، وعضو الكنيست عن حزب «العمل»، بنيامين بن أليعازر، موقف الإدارة الأميركية حيال مبارك، وقال إن «الأميركيين سبّبوا كارثة في الشرق الأوسط بعد تخليهم عن مبارك»، مضيفاً أن «مبارك تلقّى واقع تخلّي الأميركيين عنه بصورة صعبة للغاية».
وأشار بن أليعازر، الذي يعدّ صديقاً مقرّباً للرئيس المصري، إلى أنهم «في مصر والدول العربية اتهموا مبارك بالتعاون مع الأميركيين والصهاينة، وبالتالي بقي وحيداً في هذه المرحلة، ولا أعتقد أنهم في الإدارة الأميركية يفهمون انعكاسات ذلك على الشرق الأوسط»، مضيفاً «هذا صباح حزين، فقد رأيت مبارك زعيماً منكسراً خلال خطاب أمس. هو صديق جيّد لإسرائيل وخسارة تامة لها (إن رحل). ولو أمكنني التحدث إلى الشعب المصري لطلبت منه منح رئيسه مهلة لإنهاء ولايته باحترام».
وحذر بن أليعازر من الضغوط الأميركية، قائلاً «إذا جرت في مصر انتخابات ديموقراطية مثلما يضغط الأميركيون، فلن أفاجأ بفوز جماعة الإخوان المسلمين بنصف مقاعد البرلمان المصري».
في السياق، قال نائب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، إفرايم سنيه، أن مصر «لن تواصل سياسة مبارك تجاه إسرائيل بعد الثورة الشعبية التي حصلت فيها»، موضحاً في مقال نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «مناهضة الفصائل المصرية المعارضة للدولة العبرية ستؤثر سلباً على العلاقات الثنائية مع مصر، بل إن الموقف المصري من حركة حماس سيتغيّر، وستنتهي مظاهر التطبيع، وستتعزز رؤية القاهرة لتل أبيب على أنها تهديد استراتيجي».
ورأى سنيه أنه يتعيّن على إسرائيل أن «تتطلع إلى اليوم الذي يلي الحالة المصرية الحاضرة، وتسارع إلى إعادة السيطرة على محور رفح الواقع على الحدود المصرية مع قطاع غزة، أو يتواصل التعاظم العسكري لحركة حماس في غزة الذي بات منذ الآن تعاظماً لا يمكن تحمّله».
وطالب سنيه «الجيش الإسرائيلي بتغيير فرضيات العمل لديه، التي سادت عقيدته الأمنية طوال الأعوام الثلاثين الماضية، على خلفية خروج مصر من العداء لإسرائيل»، مشيراً إلى «وجوب إعادة بناء فرق احتياط كان الجيش الإسرائيلي قد تخلّى عنها في أعقاب اتفاق السلام مع مصر». وأضاف «عليه التزوّد بمنظومات ووسائل قتالية متطورة». أما لجهة «محور الاعتدال»، فدعا سنيه إلى «تعزيز الجهات الباقية في هذا المحور، أي السلطة الفلسطينية والأردن وإسرائيل، لأنه إذا احتل حزب الله لبنان، واتجهت مصر نحو المجهول، وخرجت الولايات المتحدة من العراق، فستبقى إسرائيل محكومة بالعزلة الدولية، وفي وضع إقليمي تحتاج فيه إلى أصدقائها».
وفي إطار القلق الإسرائيلي من سقوط النظام المصري، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن «الثورة في مصر تثير هلعاً واضحاً في إسرائيل، وما كلام نتنياهو عن السعي إلى مواصلة الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة إلا إثبات جديد على أن السياسة الخارجية الإسرائيلية لا ترغب في التغيرات، وخصوصاً إذا كانت مقترنة بفقدان حليف مهم».
وكان مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي قد أعدّ دراسة تقويمية أولية ،حيال تداعيات الأحداث في مصر على الدولة العبرية، خلص فيها إلى أن «تجربتي تونس ومصر قد تتكرران في بلدان عربية أخرى تواجه ظروفاً مشابهة»، وطالبت الدراسة تل تبيب بـ«وجوب القلق على اتفاقية السلام مع مصر».
وأكدت الدراسة أن «تحوّل مصر إلى دولة ضعيفة تُشغل في شؤونها الداخلية سيؤثر سلباً على محور الاعتدال في المنطقة، وسيعزز المحور المتطرف الذي يدعو إلى إزالة إسرائيل، ما يعني وجوب العمل على استعداد الدولة العبرية جيداً لمواجهة التغيّرات».