ليست المرة الأولى التي تنزل فيها أعقاب البنادق على رؤوس المعتصمين أمام السفارة المصرية في بيروت، لكن المشهد الذي لم يدم لأكثر من عشرين دقيقة كان كافياً لتأكيد أن الأمن اللبناني لا يختلف كثيراً عن نظيره المصري. هجوم وحشي وضرب بالهراوات وأعقاب البنادق، تصويب أسلحة الى صدور المحتجّين بأيد مرتبكة، كان يمكن في أي لحظة أن تضغط على الزناد وتتسبب في مجزرة. كل ذلك حدث أمس في بئر حسن وليس في ميدان التحرير. وليكتمل مشهد التشابه بين مصر ولبنان، كان الجيش هو أيضاً على الحياد، وشكّل، بعدما حضر فجأة الى المكان، الحد الفاصل بين المتظاهرين والقوى الأمنية، وتفاوض مع المتظاهرين وواكبهم في رحلة العودة الى محيط السفارة، بعدما لاحقتهم القوى الأمنية الى محيط المدينة الرياضية. خمس سنوات من برامج التدريب الأميركي للقوى الأمنية اللبنانية، التي أُنفقت عليها ملايين الدولارات، سقطت أمس أمام مشهد أمني هزيل ومرتبك. لا اطفائيات الدفاع المدني ولا القنابل المسيّلة للدموع. قمع من دون مقدمات حصل أمس بعدما تجرأ المتظاهرون وأزاحوا الشريط الشائك الذي نُصب عند المدخل المؤدي الى محيط السفارة المصرية في بيروت.
المشهد كان هادئاً عند الساعة الرابعة، موعد الاعتصام الذي دعت إليه المنظمات الشبابية والطلابية اللبنانية، قبل ساعة من الموعد الثابت للاعتصام اليومي والمستمر أمام السفارة المصرية منذ 7 أيام، وتشارك فيه مجموعات شبابية وطلابية ومستقلّون والعشرات من أفراد من الجالية المصرية.
غالبية المشاركين كانوا من الحزب الشيوعي اللبناني، واتحاد الشباب الديموقراطي، والتنظيم الشعبي الناصري، والشباب القومي العربي. وجوه بعض الملثمين بالكوفيات، تشي بأن الاعتصام سيكون حامياً. توزّع هؤلاء عند جوانب الشريط الشائك وبدأوا بهدوء يقطعون الشريط الشائك المثبت بطريقة بدائية، لا تشبه أبداً الشريط الذي يثبت عادة أمام السفارة الأميركية في عوكر، والذي يحوي شريطاً فولاذي يصعب قطعه.
دقائق معدودة ونجح المعتصمون في سحب الشريط الشائك وقطع الطريق العام، لكن القوى الأمنية لم تمهلهم أو تتفاوض معهم لاستعادة الشريط الى مكانه بل بدأت بضربهم. ضرب طاول الفتيات والشبان من دون تمييز وتخللتها ردود من بعض المتظاهرين بعصي الأعلام التي كانوا يرفعونها.
حصيلة المعركة كانت سبعة جرحى من المتظاهرين هم: رغيد جريديني، علي بصل، عاصم ترحيني، خضر سلامة، أحمد عبد الله، محمد معوش ويارا أبو حيدر. فيما اعتلقت القوى الأمنية ثلاثة شبان هم أسامة فرحات وأحمد مروة وأحمد فضل، قبل أن يطلق سراحهم بعد فض الاعتصام.
واستُكمل الاعتصام عند الساعة الخامسة والنصف بعدما سمحت فرقة من الجيش اللبناني للمتظاهرين بالعودة الى المكان، الذي استعاد الشريط الشائك الذي رُمّم على عجل. وتباعاً، انضم الى المتظاهرين عدد من أفراد الجالية المصرية الذين حملوا أعلاماً مصرية وأخرى فلسطينية وتونسية وصوراً للرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي عُلّقت له صورة عملاقة على إحدى المنصّات الإعلامية الملاصقة للمكان. ومن اللافتات التي رُفعت واحدة تصف الرئيس المصري حسني مبارك بـ«الطاغية» مع شعار «ما بيفهمش عربي، احكي معاه بالعبري». وأحرق عدد من المتظاهرين العلم الإسرائيلي وداسوه. كذلك عُلّقت في الاعتصام مشنقة ترمز إلى المطالبة بإعدام مبارك.
وتعقيباً على الاعتداء على المحتجّين، أصدر قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي بياناً أشار إلى أن «القوى الأمنية المكلفة بحماية السفارة المصرية في لبنان، يبدو أنها قد أخذت دروساً من مشاهداتها لقمع العناصر الأمنية المصرية للشعب المصري». وأعرب عن أسفه «للتصرف غير المهني الذي بادرت القوى الأمنية إليه وضربت المعتصمين»، فيما طالب وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال زياد بارود باتخاذ الإجراءات المناسبة لمحاسبة المعتدين.



ثلاثة اعتصامات اليوم

يشهد محيط السفارة المصرية اليوم مجموعة من الاعتصامات، تبدأ عند الثالثة باعتصام دعت إليه الجماعة الإسلامية. وعند الرابعة اعتصام بدعوة من الحركة الوطنية للتغيير الديموقراطي وحركة «الشعب»، وحركة الناصريين المستقلين ـــــ المرابطون. ويستكمل عند الخامسة الاعتصام اليومي بدعوة من مجموعات شبابية وطلابية ومستقلّين وأفراد من الجالية المصرية، وقد دخل يومه الثامن. وفيما كان يتوقع أن يدعو لقاء الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية إلى الاعتصام، اكتفى اللقاء بإطلاق موقف تضامني سياسي، على غرار ما فعلت العديد من المنظمات غير الحكومية، ومن بينها شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، التي أكدت أهمية دور منظمات المجتمع المدني في التعبير عن مختلف مكوّنات المجتمع، والمشاركة في صناعة القرار واتخاذه وتنفيذه.