النقاش الجاري على هامش الانتفاضة المصرية ينقسم بين فئتين. واحدة، مصرية تبحث في مصير بلدها ومستقبله، وهي حرة في كل ما تقول وما تفكر وما تأمل. وثانية، عربية مشغولة بمقاربة ما يجري في مصر، والبحث في خلفياته واستهدافاته مع تقديرات حول منشأ هذه الانتفاضة وإسقاطات على بلدان أخرى، مع قدر كبير من الكيد الذي يردّ هؤلاء إلى أوضاعهم المحلية وقصصهم هم، لا ما يتصل بقضية الشعب المصري.وفي تعليقات كثيرة على ما نشرته في هذه الزاوية عن الأمر، ورد نوع من الاحتجاج على عدم وجود هذه الحماسة في «الأخبار» عندما كانت المواجهات قائمة في إيران خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكذلك على عدم الإشارة الى ضرورة أن تنتقل الثورة الى سوريا لأن فيها نظاماً وحكاماً يسيطرون على البلد منذ أربعين عاماً. وكذلك هناك النقاش حول ما إذا كان لما يجري في مصر صلة بسياسات الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وبالتالي علاقة الأنظمة المتهاوية أو المرتبطة بإسرائيل والموقف من الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، مع ميل واضح من مجموعات يمكن اعتبارها دون إهانتها أنها تنتمي الى معسكر «14 آذار العربي» الذي لا يعارض اتفاقاً مع إسرائيل ويرفض حالة المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، ويعارض بشدة أي دور للحركات الإسلامية في الدول العربية، ويحذّر من أن تعاظم نفوذ هذه الحركات سوف يقود العالم العربي الى مرحلة التخلف.
ولأن الأمر لا يحتاج إلى مناورة ولا إلى مداراة، فإن من المفيد توضيح الآتي:
أولاً: في ما يخصّ «الأخبار» فهي لم تقف على الحياد عند حدوث المواجهات خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وقالت ما يجب قوله في مواجهة سياسات القمع السياسي والإعلامي، دون أن يكون لديها برنامجها الخاص بمطالب الشعب الإيراني. وقد أدّى ذلك الى تلقّي «الأخبار» يومها احتجاجات من السلطات الإيرانية، وانتقادات من حلفاء الحكم في إيران.
ثانياً: إن النقاش الكيدي، الذي يقوده البعض، من خلال الاشتراط على داعمي ثورة مصر أن يعلنوا مسبقاً دعمهم لتحرك مماثل في سوريا لا ينفع، لأنه لا يعبّر عن سياسة، ولا يعني أكثر من أنه غرق في حسابات تافهة لأن واقع سوريا محكوم بما يفعله شعبها. كما أن مشكلة العرب مع نظامي الحكم في مصر وتونس ليست هي نفسها مشكلة العرب مع النظام في سوريا، شاء من شاء وأبى من أبى، لأن سوريا أدّت ولا تزال تؤدّي دوراً مركزيّاً، لا ثانوياً، طوعيّاً، لا إلزاميّاً، في دعم جبهة المقاومة الممتدّة من لبنان وفلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلى العراق في وجه الاحتلال الأميركي، وهي دفعت الثمن باهظاً جراء هذا الموقف. وبالتالي، فإن موقف الشارع العربي من النظام في سوريا موقف إيجابي بخلاف ما يريده الآخرون.
أما في ما خصّ مشكلة الشعب السوري مع النظام هناك، فهو جدول أعمال مختلف. وكما أظهرت انتفاضتا تونس ومصر أنه لا يمكن أي جهة أن تحرك الشارع ما لم يجد نفسه مضطراً إلى ذلك، فلا بأس من مدّعي الحقيقة اللوذ بالصمت، حتى يقرّر الشعب السوري ما يريد، ولو أن أحرار المنطقة والعالم يريدون تسريعاً في كل أنواع الإصلاحات في سوريا.
ثالثاً: إن مواقف الدول المحيطة بمصر والعواصم الغربية، التي تطلق مواقف «متفهّمة» لمطالب المتظاهرين في مصر، تنطلق من اعتبار يخصّ مصالحها. فمثلما يهتمّ الشارع العربي بدعم المنتفضين لأن مصلحته تطابق حصول تغيير كبير، فإن الاهتمام الغربي ينطلق من حسابات الأنظمة فيها، ومركز الاهتمام هو حماية المشاريع والمصالح الأميركية في المنطقة. ويصادف أن إسرائيل تقف في رأس هذه المصالح، إلا إذا كان مثقّفو «14 آذار العربي» يعتقدون أن الغرب مهتم للتنمية البشرية والسياسية في هذه الدول، وهو الذي ثبّت الطغاة فيها منذ عقود.
صحيح أنه لا يحقّ لأحد أن يعطي الثورة المصرية أبعاداً غير تلك التي تخصّها، لكن الصحيح أيضاً أن تيار المقاومة في العالم العربي وجبهة المقاومة للمشروع الاستعماري الأميركي سيكونان المستفيد الأول من أي تغيير يحصل في مصر... موتوا بغيظكم!