باريس ــ الأخبارلم تكن الدبلوماسية الفرنسية تتوقع هذا القدر من العنف من جانب سلطة حسني مبارك. ولم تعتر وجوه السياسيين الفرنسيين علامات التعجب، بل عبرت سحناتهم عن صدمة، مع توارد الأخبار من بلاد النيل، التي كانت تسلط الضوء على «خطة منهجية لضرب الصحافة»، كما ذكر لـ«الأخبار» مصدر دبلوماسي شرط كتم هويته. ورأى المصدر، أن استهداف الصحافة عموماً، والأجنبية خصوصاً، يهدف إلى «تطبيق حصار إعلامي» على مصر بهدف سحق الثورة الشعبية.
وأصدرت وزارة الخارجية تصريحاً عنيفاً جداً يعبر عن «قلق» السلطات الفرنسية من واقع حال الصحافيين الفرنسيين، الذين «وُضعوا في فندق» تحت حماية خاصة. وشجب البيان التعرض لمراسلي قنوات التلفزيون الفرنسية (TF1, France 2, BFM, France 24) ومراسل صحيفة لوموند «Le Monde» ومراسل صحيفة مناطقية «La Voix du Nord». وقد تكاتفت وسائل الإعلام الغربية لنقل «ما يحدث للإعلام الغربي على أيدي مؤيدي مبارك»، وتحدثت عن ضرب صحافيين نروجيين «ضرباً مبرحاً» وثلاثة صحافيين من قناة «فرانس ٢٤» أوقفتهم «استخبارات أمن الدولة»، وأحدهم كان في طريقه إلى المستشفى لمداواة جروح في رأسه سببها التراشق بالحجارة. ويقول أحد الصحافيين في اتصال هاتفي عبر الإنترنت إن «كل الصحافيين الموقوفين كانوا شهوداً على التعامل الخشن للأجهزة الأمنية المصرية» التي لم تكتف بالضرب، بل كانت «تتبع الصحافيين إلى غرف فنادقهم». وقد كرت سبحة أسماء الصحافيين الذين اعتُدي عليهم، من بلجيكا مراسل صحيفة «Le Soir»، ومن سويسرا مراسل «Le Temps»، فضلاً عن صحافيَّين من السويد «Aftonbladet» بعد اتهامهما بأنهما «جاسوسين للموساد» وجرى البصق عليهما، رغم وجود «جندي جاء لإنقاذهما»، اتهمه الصحافيان بأنه هددهما بعد ذلك بـ«القتل وتركهما حيث هما».
وروى الصحافي كيف «أُخرج فريق صحافيين من راديو كندا من بين الجموع المؤيدة لمبارك» في محيط ساحة التحرير، التي وصف المراقبون تصرفها بأنه «لاوعي جماعي يستهدف الصحافيين الأجانب»، سرعان ما انتقل إلى استهداف «الأجنبي بحد ذاته» واتهامه بـ«التجسس»، وهو ما دفع عدداً من العواصم الغربية إلى الطلب من رعاياها «البقاء في منازلهم». ولم تتردد بعض الجاليات حسب معلومات وصلت إلى باريس في «توفير حراسة خاصة لمناطق سكنها» (في شوبرا مثلاً)، وهو ما يحاكي «ممارسات القرن التاسع عشر» حين كان «الأجنبي يحمي نفسه على أرض مصر».
ولم يثر أي استغراب استهداف صحافيي «الجزيرة» بعد لعبة الفأر والقط، التي لعبتها السلطة مع القناة القطرية التي وجهت إليها أصابع الاتهام بتأجيج العنف، إلا أن استهداف صحافيين من قناة «العربية» ومن ثم «سي أن أن» وبعدها الـ«بي بي سي» دل من دون أي شك على أن هذه الاعتداءات التي شجبتها جميع الجمعيات الناشطة في الغرب، تهدف أولاً وأخيراً إلى «إخراس الصحافة الأجنبية وقطع تدفق سيل الأخبار إلى الخارج»، وتأتي في سياق تصرف السلطات التي قطعت الإنترنت، واستعملت شركات الهاتف الخلوي عنوة لإرسال رسائل تأييد لمبارك.