يُخشى على ثورة النيل من الخيانة. يخشى على الشباب أن يخونهم التعب وهم يسكنون العراء. يخشى على الثورة إن ضعفت أحزاب المعارضة، وأغراها أن تدّعي مصادرة الثورة لتنهش حصّة في النظام. يخشى على الثورة أن تنتقل عدوى الجنون من القصر الرئاسي إلى مؤسّسة الجيش. ويخشى عليها أخيراً من ادّعاءات «النُّخَب» العربيّة التي تثبت يوماً بعد آخر أنّ مساندتها لمعركة الحريات والديموقراطية ليست إلا مساندة مشروطة. مساندة من نوع تأييد الحرية للشعب، شرط أن يعيد ذاك الشعب تشكيل نفسه بما يتلاءم وصورة تلك النُّخب عنه. فمن جهة، هناك من لا يرى في ما يحدث في مصر إلا احتمال إسقاط اتفاق كامب دايفيد. وكلّ التصفيق الذي يقوم به لا علاقة له بالحرية التي سيحصل عليها الشعب المصري بقدر ما هو تصفيق لأجندة وطنيّة قد يقوم بها نظام جديد لا يلبّي بالضرورة أيّ شرط من شروط الديموقراطية.
ومن جهة أخرى، هناك الليبراليون الجدد الذين فضحت حرب العراق جزءاً منهم، وها هي ثورة مصر تفضح الجزء الآخر. هؤلاء يصفّقون أيضاً، لكنّهم يفعلون ذلك بحذر. فهم يؤيّدون الثورة شرط ألا يصل الإسلاميّون إلى السلطة. وهم يؤيّدون الثورة شرط عدم المسّ بالمعادلات الاستراتيجيّة وبدور مصر في الشرق الأوسط كما أرساه أنور السادات ورسّخه حسني مبارك. إنّهم، ببساطة، يؤيّدون الثورة ما دام بإمكانهم تقديمها على صورتهم ومثالهم، أي ثورة ليبراليّة. ولا عجب، والحال كذلك، في أنّ بعض المثقّفين العرب سارعوا إلى مصادرة الثورة وتحميلها ما لم تدّعِه.
لقد أثبتت هذه «النخب» أنّ الدفاع عن أجنداتها الخاصّة يعلو فوق أيّ حرية قد ينالها الشعب المصري. وقد ساءهم أن تكون الجماهير التي لطالما احتقروها هي التي تغيّر الآن وجه مصر. وساءهم أنّ العروبة التي أمضوا أعواماً طويلة في نعيها، هي التي تسهّل انتقال الثورة من تونس إلى مصر، ومن مصر إلى دول عربيّة أخرى يتسابق حكّامها اليوم على تجميل صورتهم.
شعب مصر يصنع بأياديه حاضره ومستقبله. يعيد رسم صورته كما يهواها. وهو حين يفعل ذلك لا يبدي ضيقاً من نظامه الحاكم وحسب، بل أيضاً من النخب المستلقية على ضفافه.