ثمة مثقف تجاوز الستين من عمره. طالب من تجاوز الخمسين، أي من هو أصغر منه، بترك شباب مصر وشأنهم. هم يقررون ماذا يفعلون. لكنه – والمرء يحار أين يقرأ له، في يومية ممنوعة من الحديث عن حق المرأة في قيادة السيارة، أو في طبعة إلكترونية تستعد لاستقبال مقالات تهئنة الملك السعودي بسلامته – يصل الى خلاصات أبرزها ما يعنيه شخصياً بأن هدف الثورة واحد أحد: الفرد!.طبعاً، لم يسمع المثقف نفسه، وأصرّ برغم سنيه على أن يتحدث نيابة عن شباب مصر. لكن المفاجأة، أنه أخبرنا أن ثورة مصر إنما يقوم بها الشباب. ربما نحن في غفلة من التاريخ، باعتبار أن الثورات التي قامت في كل التاريخ قادها كهول وشيوخ وعجز, ومع ذلك، فإن الأخ يدعونا إلى عدم إضاعة الوقت في إسقاط تمنياتنا وأفكارنا وحساباتنا على ما يقوم به أبناء مصر اليوم، علماً بأنه انتزع، ولو جزئياً، الحق في وصف طاغية مصر بالحاكم المتسلط أو ما يعادلها في قاموس مثقفي الاعتدال العظيم.
ومع، ذلك لا بأس من العودة الى الفكرة الجوهرية في كل ما قاله الرجل، وردّدها من قبله أو من بعده – لا فرق – حشد من متثقفي 14 آذار في لبنان والعالم العربي، وهي أن الفرد هو هدف الثورة. ولم يكن يغفل عن بال هذه الفئة أنه يمكن الإشارة إلى حقوق الافراد، أو أن حصول الشعوب على حقوقها يوفر ضمناً حقوق الفرد. لكن الإصرار على الاشارة الى الفرد، فيه عودة الى المنطق الذي استخدمه هؤلاء عندما خرجوا من معركتي التحرير والتغيير قبل ربع قرن، وقرروا البحث عن ذواتهم لدى بائعي الإعلام الحديث، يوم قرر السعوديون انتهاج أسلوب جديد في احتواء الإعلام العربي، بمواصلة شراء ذمم أصحاب وسائل الإعلام ثم شراء ما تيسر من أفراد في قلب هذه المؤسسات، ثم إقامة مؤسسات للبقية التي تريد الرشوة مغلفة بعنوان راتب. وفكرة الفرد، لها مرادف في عقل هؤلاء، وهو «الذاتية الكاملة» تلك التي تفصل الانسان عن كل شيء حوله.
لا يهم إن كانت علاقته بعائلته سيئة، أو إن كان ينقطع عن زيارة مسقط رأسه إذا كان ريفاً فقيراً معدماً، أو الاكتفاء بمراعاة سائق التاكسي بالاستماع إليه، وادعاء التواضع لحظة منح ناطور المبنى مبلغاً إضافياً من المال يتبعه دعاء له بطول العمر، أو العيش وفق نمط خاص جداً، لا يحتاج الى تواصل مع جيران، أو أهل الحي، وأن يختار أمكنة الترفيه الخاصة به وحده، تلك التي تعزله عن الآخرين، كل الآخرين. فلا يطيق هؤلاء المرور بسوق مكتظة، ولا هم يعرفون منذ زمن بعيد، أحزمة البؤس التي تبعد عن بيوتهم ومكاتبهم مئات الامتار فقط. هم يعتقدون أن لا حاجة لرؤية أي أحد غيرهم. ولا بأس من فوقية تشبه لعبة الراهب الذي يأكل من قوت الناس ويدعوهم ليلاً الى الاعتراف. والفرادة عندهم، مثل فرديتهم، مثل الفرد فيهم، تريد كل شيء معزولاً عن الآخرين. حتى في لحظة الموت، يفضلون طريقة دفن تبقيهم بعيداً عن أي آخر.
بهذا المعنى يرى هؤلاء أن الفرد هو هدف الثورة في مصر، وأن الملايين الذين يحتشدون في الساحات، هم مجموعة من الأفراد، سيذهب كلٌ الى حقيقته الفردية، وأن لا شيء يجمع في ما بينهم. أما الكرامة، أو الديموقراطية في نظر الفرد هذا، فهي تلك التي تجعله حراً وحده. لا مجال لمقابلة الحقوق بالواجبات. له الحق في فعل وقول ما يرغب، وليس لأحد أن يسأله أو يطالبه بشيء. ويعتقد هذا الفرد، أنه بهذه الطريقة يصنع مجتمعاً، ويصنع بلداً، ويصنع أمة، ويصنع حياة مشتركة كتلك التي تضج في عقول وعروق وحياة أولئك المنتشرين في الساحات والشوارع، والغاضبين في منازلهم وفي أمكنة كثيرة لا تصل إليها العدسة أو الصوت.
ترى، هل يسأل الفرد نفسه، كيف توفرت الحقوق المدنية لأفراد يكوّنون مجتمعات متقدمة ومتطورة تقوم على فكرة وطنية واضحة، واستقلالية لا تبعية فيها، وتقوم على قدرة فائقة على عمل جماعي ينتج ما يسمّى وطناً.
17 تعليق
التعليقات
-
يحاضرون بالعفةانهم كتلك التي ترهن جسدها ثم تحاضر بالغفة
-
اخي علي لاتزعج نفسكاخي علي لاتزعج نفسك و لكن كن مع الحق و در معه حيث يدور و سوف يتغير حال الشعوب عندما يزداد وعبها و تقل نعرتها الطائفية
-
بحسب النظرية النسبية العامةبحسب النظرية النسبية العامة لأينشتاين (: الفساد نسبي و الدكتاتورية نسبية و أنظمة القمع و حكم الفرد نسبي ،و لذلك لا يجب أن ننسى الدعوة الى الإصلاح بكل مستوياته في دول الممانعة كما هو الحال في دول المهادنة ، و مما لا شك فيه أن موقف دول الممانعة المستجيب لمطالب الشارع بما يتعلق بالصراع الرعبي الإسرائيلي يشفع لها ..... نسبياً.
-
ادهشني خطيب الجمعة في ميدانادهشني خطيب الجمعة في ميدان التحرير منذ قليل عندما وجه انتقاد بالاسم الى حزب الله لأنه يدعم مطالب الشعب المصري !! حقيقة هذا الكلام والذي جاء من ميدان التحرير اصابني بالصدمة والخيبة خاصة اننا نحن هنا في لبنان جمهور المقاومة وجمهور حزب الله كنا قد طالبنا ان نقيم تظاهرات تدعم الشعب المصري ولكن قيادة الحزب كان ردها انهم لا يريدون حشد المظاهرات حتى لا تحسب تدخلا !. بعد سماع خطيب الجمعة اصابني حالة تشتت !! نحن في لبنان لا ننام الليل ونحن نتابع التطورات ونود لو نفدي الشعب المصري بكل ما لدينا ! ثم يأتينا كلام من ميدان التحرير ويقول لنا ابقوا بعيدين عنا وينتقدنا, والكل يعلم ان انتقاد حزب الله هو انتقاد لشريحة كبيرة من جماهير المقاومة . حقيقة لا اريد ان استرسل بالكلام اكثر لأنني في حالة غضب شديدة مما سمعته وسأكتفي بالقول انني مواطن لبناني من جمهور المقاومة وحزب الله اتمنى الخير لكل الشعب المصري وان يوفق فيما يريده بغض النظر ما يريده . ( حاليا سأبتعد قليلا عن شاشة التلفاز ربما انسى الكلام الذي سمعته منذ قليل !! )
-
مبارك شو بيختلف عن غيره؟مبارك شو بختلف عن اي رئيس او ملك بين الحكام العرب؟شرعيته اقل؟لا ابدااا ,كلهم نفس الشرعية.استقواء بالخارج ؟كمان لا .من دول الخليج ل موريتانيا كله بيطلب البركة من الخارج بطريقة او ب اخرى.ملك السعودية اللي بيترجى اوباما ما يذل مبارك من شهر او اقل ذله اوباما و رفض مبادرته تجاه لبنان,كلهن نواطير عالكروم كلهن حراس الهن وظائف و هي حماية المزارع و جني المحصول و لما بيخلص تاريخ الصلاحية تبعهن بتبيعهن اميركا بدقيقة.
-
مبارك ارحلثلاثون عاما ومبارك يقود مصر في الاتجاه الخاطئ الامر الذي ادى الى تحويل مصر من قوة اقليمية عظمى الى دولة معزولة لا تاثير لها على ما يجري في المنطقة واليوم بعد ان تحرك ابطال مصر لاعادة الامور الى نصابها يصر مبارك ومعه حصانه الخاسر عمر سليمان على السباحة ضدالتيار وكل مناسبة يذكرنا مبارك بما قدمه للوطن ولا يأتي على ذكر ما اعطاه الوطن له وهنا المفارقة فخدمة الوطن واجب ولا تجوز المزايدات الرخيصة بها بينما اصرار ديكتاتور بعد 30 عاما من الحكم الاسود على البقاء في الحكم رغم ارادة شعبه الثائر هي الخيانة العظمى بأم عينها
-
اقتراح للاخباريا حبايبنا ايام حرب غزة كنتو توزعو مع النسخة الورقية بوستر يومي لصورة معبرة و مؤثرة منتقاة من يوميات العدوان و ما زلت احتفظ بجميعها حتى الان , فيا ريت تفكرو بتكرار الامر مع الثورة المصرية و توزعو علينا صور مؤثرة من الثورة لنحفظها للتاريخ ,,,, على كل فكرو فيها
-
مهما طال الظلم,ستنتصرمهما طال الظلم,ستنتصر الشعوب....الشعوب دائما على حق...
-
مبارك ذكرني بالحريري أنا أو لا أحدرغم أن حسني مبارك يدرك بأن صلاحيته انتهت بالنسبة للأمريكيين, و في أحسن الأحول سيكون أمام المحاكم في الشهور القادمة بغض النظر عن طبيعه الرئيس القادم , و لكنه لازال يعتقد بانه هو الشعب و هو مصر و هو الدستور, و لا زال يمجد الدستور الذي صنعه لنهب مصر و بيع كرامتها, و بهذا أثبت أن قراره الأخير يصدر من تل أبيب قبل واشنطن و تل أبيب لا ترى فيه بطل انما تخشى من إنهيار أحجار الدومينو و تدافع عن نظام صهيوني أصبح قاب قوسين أو أدنى على وشك الإنهيار التام و ذلك بسبب نرجسية حسني مبارك و جنونه و التزامه بتعليمات الموساد المرتبك أصلاً بدون مبارك
-
بالمنهسبه الماعزعندأهم منبالمنهسبه الماعزعندأهم من المرءه
-
شكرا استاذ ابراهيموالله انك وصفت حالهم بدقه كبيره لكن اسمعت ان انت ناديت حيا*** لكن لاحياه لمن تنادي
-
السياحة اهم من الكرامة !!يا برهوم هل سمعت ما قاله ’’ الفنان ’’ و ’’ المثقف ’’ راغب علامة الذي طالب المتظاهرين بالعودة الى منازلهم لان ’’ الرئيس العظيم ’’ (ايه وصفه بالعظيم) محمد حسني مبارك فهم مطالبهم و وعدهم بتحقيقها و تاسف لان الاعتصامات و الاحتجاجات دمرت السياحة في مصر ام الدنيا !!!! قشو رايك ؟!؟!