لم يكن غريباً أن يأتي اسم أحمد المغربي ضمن قائمة الفاسدين والممنوعين من السفر عقب اندلاع ثورة الغضب، التي وضعت محاسبة من نهبوا ثروات مصر في أولويات مطالبها. المغربي يواجه تهماً عدة، منها الاستيلاء على 48 مليون متر من أراضي الدولة عن طريق شركة «بالم هيلز»، التي يمتلك جزءاً من أسهمها ويديرها ابن خالته، رجل الأعمال المعروف، ياسين منصور، شقيق وزير النقل السابق محمد منصور. عائلة «البيزنس» بدأت تتلاشى. سقط رأسها الكبير. الباقون يقاومون طوفان الثورة التي لن تخمد قبل تحقيق مطالبها بمصادرة جزر رجال الأعمال التي بنوها على أنقاض ما نهبوه من أموال الشعب.ملف اتهام المغربي، الموجود حالياً لدى السلطات المعنية بالتحقيق، متخم للغاية، بدءاً من الاستيلاء على أرض تقدر بنحو 48 مليون متر مربع، وتعد إحدى أفضل الأراضي في المدن الجديدة، من خلال شركته «بالم هيلز»، مروراً بتدخله في قضية «مدينتي»، وتخصيص أرض في ميدان التحرير لمصلحة شركة «أكور مصر» التي يملكها، وانتهاءً بتخصيص جزيرة آمون لشركة «بالم هيلز».
يوم الاثنين الماضي، توجه المغربي إلى نيابة الأموال العامة بمفرده، مؤكداً أمام المستشار علي الهواري، المحامي الأول لنيابات الأموال العامة، براءته من جميع الاتهامات. التحقيقات الرسمية كشفت عن اتهام وزير الإسكان السابق بتخصيص 48 مليون متر لمصلحة شركة «بالم هيلز» بسعر 250 جنيهاً للمتر عام 2006، فيما كان السعر الحقيقي للمتر 650 جنيهاً. وأضافت التحقيقات إن قيمة الأراضي التي استولى عليها الوزير مع ابن خالته ياسين منصور خلال خمس سنوات فقط، تزيد قيمتها على 100 مليار جنيه.
لم يتوقع أفراد عائلة «البزنس» أن تنجح الثورة في اقتلاعهم من على كراسي الوزارة التي تعدّ حصنهم الآمن. لكن الثورة قالت كلمتها. جميع هؤلاء يعيشون الآن كابوساً مخيفاً، هم الذين ظنّوا أن «مافيا» النظام يستحيل أن تسقط يوماً.
أنشأ المغربي عام 2003 شركة «بالم هيلز» عقب تولّيه حقيبة وزارة السياحة، لتصبح ثالث أكبر شركة عقارية في مصر خلال سنوات قليلة، بعد استيلائه على أراض في البحر الأحمر، ومنح جزيرة آمون في أسوان إلى «بالم هيلز»، وإلغاء مناقصة توريد «مواسير للصرف الصحي»، ثم إعادة إسنادها بالأمر المباشر إلى شركات أخرى بأسعار مبالغ فيها.
ربما كانت فضيحة أرض ميدان التحرير هي الأبرز في الانتقادات التي وجهتها الصحافة للمغربي. فالرجل سعّر الأرض بألفي جنيه للمتر، فيما يصل سعرها الحقيقي إلى نحو 50 ألف جنيه للمتر. بل أكثر من ذلك. الشركة التي اقتنصت الصفقة، وهي «أكور مصر»، يملكها الوزير مع بعض أقاربه من عائلة منصور.
قضيّة «مدينتي» أظهرت وجه المغربي «الفاسد» إلى العلن، وقد اتهمه حمدي الفخراني، صاحب دعوى إبطال عقد «مدينتي»، بالتدخل في الصفقة، مستغلاً صفته كونه الرئيس الأعلى لهيئة التنمية العمرانية. كذلك اتهمه بالالتفاف على الحكم الصادر ببطلان العقد، ومحاولة إلغاء الحكم لمصلحة شركة طلعت مصطفى.
الثورة تشتعل والفاسدون يسعون إلى تأخير النهاية. فور سرد الاتهامات الموجّهة إليه، سارع المغربي إلى طلب اصطحاب محامٍ والاطلاع على أوراق القضية حتى يتسنى له الرد. خرج من مبنى النيابة العامة مكفهر الوجه، يردد كلمه واحدة «الحمد لله». فيما كانت حناجر الثوار تطالب من ميدان التحرير بمحاسبة الفاسدين. ارتبك المغربي عندما حاصرته وسائل الإعلام للتعليق على التحقيقات واتهامه بالفساد. قال «فساد... أستغفر الله العظيم»، علماً بأن ثروة المغربي تلامس 11 مليار جنيه.



رشيد محمد رشيد... ورطة بيزنس الأقارب



«الشيء المؤكد أنه لو قبلتُ بالوزارة عندما عُرضت عليّ، لما كان كل هذا ليحدث». هكذا علّق وزير الصناعة السابق رشيد محمد رشيد فور إعلان تجميد أرصدته ومنعه من السفر بقرار من النائب العام المصري عبد المجيد محمود، وهو الذي كان يشغل وزارة الاستثمار، إضافة إلى الصناعة خلفاً لمحمود محيي الدين، رجل البنك الدولي حالياً. جاء صوته من دبي مكتوماً وهو يقول مستغرباً: «أبديتُ اعتذاري (عن عدم قبول تولي الوزارة) لأسباب تفهّمناها أنا ورئيس الوزراء الجديد أحمد شفيق، وكان مشكوراً لأنه وافق على هذه الأسباب». كما كشف «أنني سافرت (إلى دبي) بعلم كل الجهات الموجودة في مصر، بل سهّل لي المسؤولون السفر».
ثروة رشيد تتجاوز 12 مليار جنيه (نحو ملياري دولار) بحسب ما أُعلن، وكلّها حصيلة توكيلات تجارية لمنظِّفات ومستحضرات تجميل وبعض ماركات الشاي والمواد الغذائية، آلت في عام 2004 إلى شقيقته حسنة رشيد عند توليه الوزارة. انفصل الوزير عن إمبراطوريته ـــ كما يدّعي ـــ لأن القانون يجرّم الجمع بين الوزارة والتجارة.
طالت أسرة رشيد، المولود في عام 1955 بالإسكندريّة، قرارات التأميم، وأصبحت شركات والده التي كانت تعمل في مجال التوكيلات الملاحية ملكاً للدولة، ولم يجد رشيد الكبير حلاً لإعادة بناء مملكته الاقتصادية وتعويض خسائره سوى السفر إلى أوروبا. هناك، نجح في تكوين شبكة علاقات واستطاع توقيع عقود شراكة مع عدد من الشركات العالمية، وصار وكيلها في مصر والشرق الأوسط. في نهاية السبعينيات، ومع بداية تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي وآليات السوق الحرة، عاد الأب إلى الإسكندرية ليؤسس «مجموعة رشيد للمنتجات الغذائية» بالتعاون مع بعض الشركات العالمية مثل «دكتور أوتكر» و«فاين فودز».
ظل الأب يدير مجموعة شركاته، وكان حريصاً على أن يعدّ ابنه الوحيد رشيد كي يتولى إدارة المجموعة، وهو ما حدث بالفعل عقب حصوله على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة الإسكندرية.
الإعلان عن تجميد أرصدة الوزير فتح الباب أمام شبكة علاقاته الأسروية التي استفادت كثيراً من منصبه الوزاري، حيث أسس الوزير لشقيقته جمعية «رجال وسيدات الأعمال المصرية ـــ الفرنسية»، وكانت تستحوذ على النسبة الأكبر من المليار يورو التي كانت مخصَّصة من الاتحاد الأوروبي لمركز تحديث الصناعة. كذلك أسس لزوج ابنة شقيقته، أشرف الجزايرلي، «جمعية شباب رجال الأعمال» التي كانت تتلقى أيضاً دعماً مالياً كبيراً من الوزارة.
رشيد يواجه الآن تهمة التربح جراء منصبه الوزاري، ربما عقاباً له على الاعتذار عن عدم المشاركة بوزارة ما بعد الثورة. لكن المؤكد، كما يقول رشيد، أننا «نعيش في عالم جديد الآن، ومصر اليوم ليست مصر قبل 25 كانون الثاني». بالفعل مصر تغيّرت نحو الأفضل حتى هذه اللحظة.



زهير جرانة... إن كان للفساد عنوان




حتى الآن، لا يعرف الوزير السابق زهير جرانة من أين أتته الضربة. رجل الظل في حكومة أحمد نظيف كان يبرم صفقاته بعيداً عن أعين المتربّصين. ورد اسمه على عجل عند الحديث عن مخالفات زميليه الوزيرين أحمد المغربي ومحمد منصور بسبب صله القربى بينهم، إذ إنهما ابنا خاله. بعدها اختفى الرجل وهو يتابع أعماله في المنتجعات السياحية، وأشهر صوره تلك التي تظهره وهو يدخّن السيجار الكوبي، ويمارس رياضته المفضّلة، ركوب الخيل. لكن الفارس سقط من فوق الحصان بعدما انحلّت عجلة البيزنس وضحّى به النظام.
هو رجل يجيد المناورة، وعندما دخل وزارة السياحة عام 2004، لم يعرف أحد على وجه الدقة حجم أعماله. قبل يومين، جلس ثلاث ساعات أمام قاضي التحقيق ليسأله عن «جرائم التربّح وتسهيل التعدّي على أراضي الدولة والإضرار العمدي بالمال العام». ذهب بمفرده إلى القاضي مثلما فعل قريبه أحمد المغربي، ثم انصرف لإحضار محاميه والردّ على الاتهامات التي تصل عقوبتها إلى السجن المؤبّد.
جرانة في مأزق؛ خصّص 25 مليون متر بسعر دولار واحد لشركة «أوراسكوم» للسياحة في البحر الأحمر، بينما يصل سعر المتر الواحد إلى أكثر من 20 دولاراً، في مقابل أن تشتري هذه الشركة 50 في المئة من أسهم شركته «جرانة» التي كانت مهدّدة بالإفلاس.
كل الاتهامات الموجهة إلى جرانة تتقاطع عند أقاربه وعدد من أقارب المسؤولين، مثل تأسيسه، بالاشتراك مع شقيقته سميحة جرانة وزوجها، شركة مساهمة بطريقة مخالفة للقانون. أما أقارب المسؤولين، فكانت العطايا لهم على هيئة تخصيص مساحات شاسعة من الأراضي في أماكن سياحية وحيوية بأسعار بخسة، كتخصيص قطعة أرض مساحتها 6 ملايين متر في شرم الشيخ لرجلَي الأعمال محمود الجمال ومنصور الجمال. الأول والد خديجة الجمال، زوجة جمال مبارك. وتكمن المخالفة في أنّ سعر المتر في هذه المنطقة يتجاوز 10 دولارات، فيما خصّصها جرانة بمبلغ دولار واحد للمتر. ولم يكتفِ بذلك، بل منحه فرصة تسديد 10 في المئة فقط من قيمة الأرض، على أن يقسّط الباقي على دفعات، في مخالفة واضحة لقرار رئيس الوزراء عدم بيع الأراضي أو تخصيصها في مدينتي الغردقة وشرم الشيخ.
سقط جرانة في اليوم نفسه الذي سقط فيه أمبراطور الحديد أحمد عز، زوج شاهيناز النجار، التي وافق لها جرانة على تأسيس شركة للسياحة «النبيلة»، وهو اسم الفندق التي تمتلكه في شارع جامعة الدول العربية، إضافة إلى إصداره قراراً بمنح حصة تقدر بـ20 في المئة من حجم تأشيرات الحج والعمرة، قبل أن يعطي شركته الخاصة «جرانة» 30 في المئة من حجم التأشيرات. لذلك، ليس غريباً أن تقترب ثروة هذا الوزير السابق من 13 مليار
جنيه.