صنعاء| مثّل سقوط أربعة قتلى نقطة فاصلة في خط سير حركة الاحتجاجات الشعبية في اليمن، بعدما تلوّنت شوارع عدن بدم الضحايا، وأحدهم في السادسة عشرة من عمره، واستتبعت بخروج تظاهرات جديدة منددة بالقمع الوحشي الذي تعرض له المحتجون، أبرزها في مدينة الضالع. ونقطة البداية كانت مع اعتصام احتجاجي سلمي نفّذه مئات من الشباب، أول من أمس، في منطقة «المنصورة» في ضاحية عدن، غالبيتهم عاطلون من العمل، ردّدوا شعارات مطالبة بتغيير النظام السياسي، ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح وأقاربه من السلطة، وإطلاق سراح معتقلين في سجن المدينة منذ الأسبوع الماضي.
بدأت السلطة بقمع المحتجين باستخدام عناصر أمنية بلباس مدني، يحملون هراوات وعصيّاً كهربائية وصور الرئيس، وحين لم يفلحوا، كان الرصاص الحي الخيار البديل. وأوضح مصدر مطّلع، في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، أن قوات الأمن أطلقت الرصاص الحي عشوائياً والقنابل المسيلة للدموع عند حوالى الثانية عشرة ظهراً، أول من أمس، لتفريق المعتصمين، ما أدى إلى ردود فعل غاضبة من المحتجين، رموا على أثرها الجنود بالحجارة، فيما اقتحم عدد آخر منهم مبنى المجلس المحلي وأحرقوا فيه أربع سيارات.
من جهتهم، أكد شهود تعمّد إصابة المحتجين من مسافات قريبة، والتركيز على المناطق العلوية من الجسم، ما يفسّر سقوط أربعة قتلى وعشرات الجرحى، سارع العديد منهم إلى مغادرة المستشفيات خشية الاعتقال، فيما رفض والد القتيل محمد العلواني، أول ضحية تسقط في الاحتجاجات اليمنية ضد السلطة، تسلّم جثة ولده قبل القبض على الجناة.
الرئيس اليمني أمر بفتح تحقيق فوري في أحداث «المنصورة»، فيما ناشد نائب الرئيس اليمني السابق، علي سالم البيض، «جميع الجنوبيين في الداخل والخارج أن يهبّوا اليوم لطرد الغزاة وانتزاع حرية الجنوب واستعادة استقلاله».
وكانت الفعاليات الاحتجاجية قد بدأت في مدينة عدن (جنوبي صنعاء)، السبت الماضي، بتظاهرات هتف مواطنون فيها بشعارات ابتهاج لسقوط الرئيس المصري حسني مبارك، قبل أن تتحول إلى هتافات منادية بسقوط الرئيس صالح وأبنائه وأقاربه. وعلى الأثر شنّت القوات الأمنية حملة اعتقالات طالت المشاركين، وكان من بين المعتقلين طفل لم يتجاوز السابعة (أصم وأبكم)، كانت تهمته «ترديد شعارات انفصالية»، على الرغم ممّا يُعرف عن ارتباط تظاهرات عدن، حتى أمس، بمطالب حقوقية صرفة بعيدة عن شعارات الحراك الجنوبي المنادية بفك الارتباط. وحفلت مواقع الفايسبوك بدعوات لأنصار الحراك من أجل التظاهر على قاعدة فك الارتباط.
وتحيط بأهل المدينة «خفة الدم» والنكتة من كل جانب، ولا يتوقفون عن تداولها حتى في أوقات الاحتجاجات. فيقول أحدهم «لقد صبرنا على الاحتلال البريطاني 130 عاماً قبل طرده، فكيف نجح نظام الرئيس صالح في استفزازنا خلال عشرين سنة». ويقول آخر معلّلاً هزيمة المنتخب اليمني لكرة القدم في جميع مبارياته في بطولة الخليج، التي أقيمت في عدن قبل نحو شهرين، إن السبب في أنه لعب مبارياته خارج أرضه، في إشارة ساخرة إلى أن غالبية عناصر المنتخب كانوا لاعبين منحدرين من المناطق الشمالية.
ويتهم أهالي عدن الرئيس اليمني بأنه أخطأ في تفسير رغبة أهل عدن في عيش حياتهم وأيامهم بهدوء ،لكنّ نظام صنعاء ارتكب حماقات كثيرة في حقهم، ومنها عمليات النهب المنظمة للأراضي، قبل أن تتفجر الأوضاع بعد الاستفزاز الذي تعرضوا له على أيدي القوات الأمنية، في أعقاب التظاهرات التي خرجت احتفاءً بسقوط حسني مبارك.
وعلى خطى عدن، تستعد مدينة تعز، التي تشهد منذ أسبوع اعتصاماً مفتوحاً، اليوم لـ«جمعة الغضب» التي تعدّ واحدة من الفعاليات التي نُظّمت منذ فترة عبر «الفايسبوك»، ونجحت في تجميع ما يتجاوز خمسة عشر ألفاً حتى نهار أمس.
وبدأ المئات من أبناء القرى المجاورة لتعز بالتوافد إلى منطقة صافر، وسط معلومات عن توجه قادة كبار في الحزب الحاكم إلى المدينة لمحاولة ضبط الأوضاع، وذلك بالتزامن مع نشر تعزيزات أمنية من الحرس الجمهوري والجيش حول المدينة، تخوّفاً من وصول المزيد من المتظاهرين من الأرياف القريبة للمشاركة في التظاهرات.
في هذه الأثناء، أعدّ المعتصمون قائمة سوداء بأسماء تجار ورجال أعمال من المدينة يموّلون أعمال البلطجة التي تواجه الحركات الاحتجاجية في المدينة.
أما في العاصمة صنعاء، فقد تواصلت المصادمات بين المتظاهرين المطالبين بسقوط النظام وآخرين مؤيّدين للرئيس اليمني لليوم الخامس على التوالي، ما أدى إلى إصابة 25 شخصاً على الأقل.
وخرج نحو ألفي متظاهر، غالبيتهم من الطلاب، من حرم جامعة صنعاء باتجاه ميدان التحرير القريب، حيث مقر الحكومة، مردّدين «الشعب يريد إسقاط النظام»، إلا أن مناصرين للنظام معتصمين أمام الجامعة هاجموهم على الفور، فيما سقط رئيس الجامعة، خالد طميم، أول ضحية رسمية لانتفاضة الطلبة، عندما أُجبر على تقديم استقالته، بعد اتهامه بالتهاون في قمع الثورة الطلابية.