لم تمنع المجزرة التي ارتُكبت قبل بزوغ الفجر ضدّ معتصمين نيام في دوار اللؤلؤة، الجيش من إعادة الكرّة. قتلى وجرحى بالعشرات من جديد، وسط تعتيم إعلامي وصمت دولي دفع المواطنين إلى القول «كأنّ البحرينيين ربما طيور، ليسوا من أبناء البشر». هذا ليس رأياً، بل شهادات مواطنين ومعارضين بحرينيين، لم يبقَ لهم بعد ذلك سوى «الاعتصام بحبل الله».وإضافةً إلى مجزرة أمس، جرى الحديث عن وجود عشرات الجثث لمن قُتلوا في اعتداء فجر الخميس، لكنّ بعضاً من قادة المعارضة رأى فيها شائعات مبالغاً فيها، في وقت خرج فيه المحتجون في الشارع رافعين سقف المطالب حتى رأس الملك، لكن الممثلين السياسيين تمسّكوا باللغة التصالحية.
وخرج المشيعون صباحاً بالآلاف في سترة وكرزكان لوداع القتلى الأربعة الذين سقطوا أول من أمس. وهتف المشيعون «لا سنية لا شيعية، نحن لسنا طائفيّين، سلمية سلمية، بالروح بالدم نفديك يا شهيد، بالروح بالدم نفديك يا بحرين»، فيما هتف آخرون «الشعب يريد إسقاط النظام». وقال متظاهرون «لم نعد نريد ملكية دستورية الآن نطالب بإسقاط الملك».
واحتشد المشيعون بالمئات للمشاركة في نهاية الفاتحة (اليوم الثالث على الموت) على روح علي عبد الهادي مشيمع، القتيل الأول لثورة 14 شباط، وما إن اقتربوا من دوار اللؤلؤة في طريقهم الى مجمع السلمانية الطبي، حتى بدأ الجيش بهجومه.
ووصف مدير جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان محمد مسكتي ما جرى، قائلاً إن «الجيش أطلق عليهم الرصاص الحي وقنابل الشوزن، وشاركت في الهجوم الطائرات المروحية»، وسقط العشرات بين قتلى وجرحى. وأشار إلى أنّ الأطباء في مجمع السلمانية نفّذوا اعتصاماً في الداخل، وطالبوا بتدخل المجتمع الدولي، لكنهم لم يلبثوا أن فكّوا الاعتصام بعدما دعتهم إلى ذلك دماء المصابين.
من جهته، روى الناشط علي، الذي شارك في التشييع وكان حاضراً وقت اعتداء الجيش الأخير، ما جرى عند الدوار، قائلاً إن «الجيش هاجم المتظاهرين عند تقاطع الدوار بالرصاص الحي والقنابل». وأكد وجود قناصة كانوا يصوّبون مباشرةً على المتظاهرين. وأوضح أن اشتباكات وقعت بين المتظاهرين والجيش في منطقة كرزكان عند تشييع أحد الضحايا.
وتحدث علي عن مجزرة قد تكون ارتُكبت فجراً، وهي تتعلق بالمفقودين، مرجّحاً أن يكون هؤلاء قد قتلوا. وقال إنه «كان في محيط الدوار 3 شاحنات «ثلاجات»، وعلى الأرجح أنها أعدّت لنقل جثث المفقودين». وعلّل روايته هذه بأنّ المكان كان مطوّقاً بالكامل، ونظراً الى الضرب الوحشي الذي تعرض له المعتصمون فجر الخميس، من المؤكد «أنّ مجزرة قد وقعت، وأن الجيش عمل على تطويق الخيم والجثث، من أجل التعتيم على المجزرة».
وأكد أنه وضع خطاً ساخناً للإبلاغ عن حالات المفقودين، وبينهم نساء وأطفال، لكنّ «البحرين بلد صغير، الجميع يعرف بعضه بعضاً، ولا يعقل أن يبقوا مفقودين حتى اللحظة»، مستبعداً فرضية الاعتقال «لأنّ لديهم ما يكفي من المعتقلين».
فرضية أكّدها أيضاً النائب السابق عن المنبر التقدمي عبد النبي سلمان، قائلاً إن هناك شكوكاً كبيرة في أن يكون المفقودون قد ماتوا. ونقل عن أشخاص مسعفين أنهم شاهدوا مناظر مروعة، وأنهم رأوا انتشال الجثث داخل الدوار، وتكديسها داخل المشرحة، وأنه وسط هذه الجثث أحياء، هم على الأغلب جرحى في حالات خطرة.
وأعرب عن أسفه لهمجية الأمن الذي يستخدم قنابل «الشوزن» المخصصة لاصطياد الطيور «كأن البحرينيّين طيور يريدون اصطيادها». وقال إن المتظاهرين كانوا يحملون الورود للجيش الذي كان يردّ عليهم بالرصاص.
لكن النائب الوفاقي خليل مرزوق لم يوافق على هذه الفرضية، ووصفها بالشائعات التي تهدف الى إثارة الذعر. وقال إن «عدد المفقودين مبالغ فيه، وقد وجد كثيرون مفقوديهم». وأشار إلى أن عدد المفقودين لا يتناسب مع هذه الرواية.
وتحدث النائب عن «جريمة جديدة ضد الإنسانية ارتكبها الجيش اليوم (أمس)». وأكد وجود قنّاصة أطلقوا النار على المتظاهرين. وقال إن الطواقم الطبية مُنعت حتى من الخروج لإسعاف المصابين، ومُنعت من نقل الجرحى. ووصف ما يجري «كأننا في حالة حرب. في الحرب هناك قوانين دولية تُراعى، لكن هنا لا يجري حتى مراعاة ذلك».
من جهة ثانية، أكد مرزوق تأجيل التظاهرة التي كانت مقرّرة اليوم حتى يوم الثلاثاء، مشيراً إلى أن المعارضة تحشد لها بقوة. وعن كيفية حصول تظاهرة كهذه مع هذا الانتشار الكثيف للعناصر الأمنية في العاصمة، تحدث عن وجود مساع للتهدئة، وأن هناك تواصلاً مع الأطراف الرسمية لسحب الجيش. ووجّه نداءً الى المجتمع الدولي كي يتصل بالملك ويقول له «اسحب جيشك من الشارع». وتابع «لكن إذا كان المجتمع الدولي يريد أن يتخلى عن البحرين، فلنا الله».
ورغم إشارته الى وجود اتصالات غير مباشرة مع السلطة لحلّ الأزمة، أكّد مرزوق أن الاستقالات الجماعية من مجلس النواب التي أعلنتها «الوفاق» أول من أمس لا رجعة عنها.
من جهته، وصف الشيخ عيسى قاسم، وهو عالم شيعي بحريني بارز، اعتداء الشرطة بأنه مذبحة، وقال إن الحكومة أغلقت بذلك باب الحوار، وإن كان لم يدعُ صراحةً إلى مواصلة الاحتجاجات في الشوارع.
في المقابل، سيرت السلطة عشرات السيارات التي ترفع علم البحرين باتجاه مسجد الفاتح، وهو أكبر مسجد في العاصمة، في موكب تأييد للملك. وكتب على أحد الأعلام اسم «حمد» في إشارة إلى الملك. وتوقف عدد من سيارات الشرطة خارج المسجد.
وتوجه ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بكلمة الى المواطنين من خلال مقابلة تلفزيونية دعا فيها الى الهدوء، وقال «إنها رسالة مواطن، نحن اليوم على مفترق طرق»، مضيفاً «أبناء يخرجون ويعتقدون أنه ليس لهم مستقبل في البلد، وآخرون يخرجون محبة وحرصاً على مكتسبات البلد، لكن هذا للجميع، ليس للسنّة ولا للشيعة».
وأكد أن «هناك مساعيَ طيبة للتوفيق»، وأن «الحوار دائماً مفتوح والإصلاح مستمر». ودعا الجميع الى «الهدوء فوراً، لأنه من دون هذه الخطوة لن يكون بالإمكان بحث أي مشكلة».
وتعهد بحث «أي مشكلات ضمن حوار جماعي في البحرين تشارك فيه جميع الأطراف». وتابع «أنا لا أفرّق بين أيّ مواطن وآخر، لكن ما يحدث الآن غير مقبول. البحرين لم تكن يوماً دولة بوليسية»، مشيراً إلى أن «البحرين أصبحت اليوم منقسمة وهذا ما لا يمكن قبوله».
بدوره، دعا وزير العدل والشؤون الإسلامية، خالد بن علي بن عبد الله آل خليفة، بناءً على توجيه الملك، أعضاء كتلة «الوفاق» الى التراجع عن الاستقالات والاستمرار في المشاركة في السلطة التشريعية.
ورغم ما يجري في البحرين، فإن المواقف الدولية تبقى دون المستوى، على عكس ما صدر منها خلال ثورتي تونس ومصر. وفي اليوم الخامس، ندد الرئيس الأميركي باراك أوباما باستخدام العنف ضد المتظاهرين في البحرين وليبيا واليمن، داعياً الى احترام حقهم في حرية التعبير.
بدورها، أعربت تركيا عن قلقها من القمع الدامي للحركة الاحتجاجية في البحرين، داعيةً سلطات المملكة الى احترام حقوق الإنسان. ودعت في بيان لوزارة الخارجية الى ضبط النفس وتجنب استخدام القوة.
وقررت بريطانيا إجراء مراجعة عاجلة لمبيعات الأسلحة إلى البحرين، بعد تعرضها لانتقادات بأن هذه الأسلحة تُستخدم لقمع المتظاهرين المطالبين بالإصلاح، بحسب صحيفة «ذا اندبندنت».
في هذه الأثناء، كشفت وثائق مسربة الى موقع «ويكيليكس» أن وزارة الخارجية الأميركية طلبت سراً من دبلوماسييها في البحرين الإبلاغ عن أي معلومات شائنة بشأن اثنين من أبناء ملك البحرين هما الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة وشقيقه الشيخ خالد.
وقالت برقية «كانت هناك مخاوف في المنطقة من احتمال أن يقوم متشدّدون من البلدان المجاورة بالتأثير على الشيخ ناصر البالغ من العمر 23 عاماً وشقيقه الشيخ خالد (21 عاماً)».
ووصفت برقية «الشيخ ناصر وشقيقه الشيخ خالد بأنهما هدفان مهمان من القيادة الناشئة»، وأرادت الإدارة معرفة إذا كانت هناك «خلافات بينهما وبين شقيقهما ولي العهد الشيخ سلمان، وما طبيعة الخلافات بينهم إذا وُجدت».