كشفت الأيام الأخيرة عن وجه الزعيم الليبي معمر القذافي الحقيقي أكثر فأكثر، هو الذي عمد إلى ارتكاب مجازر بحق مواطنيه، وبات عدد القتلى من المتظاهرين بالمئات، لكنّ القذافي لم يرتكب المجازر وحده، فقد جنّد أجهزة عدة واكبته منذ البداية، للوصول بليبيا إلى وضعها الحالي، وتحقيق رغبته في بلوغ سدة الملكية.
تحدثت وكالات أنباء عدة عن «اللجان الثورية»، ونقلت عنها تهديداً لم يصدر مثيل له خلال فترة الاحتجاجات في مصر، التي سبقت سقوط الرئيس حسني مبارك. هذه اللجان هدّدت برد «عنيف وصاعق» بحق المتظاهرين «المغامرين» في ليبيا، معتبرةً أنّ المساس بالخطوط الحمراء «انتحار ولعب بالنار». وقالت في افتتاحية صحيفتها «الزحف الأخضر» إنّ «أيّ مغامرة من تلك الشراذم المنبطحة، فإن هذا الشعب الأبيّ والقوى الثورية الشريفة سيكون ردهم (عليها) عنيفاً وصاعقاً». وأضافت إنّ «سلطة الشعب والجماهيرية والثورة والقائد جميعها خطوط حمراء، ومحاولة تجاوزها أو الاقتراب منها انتحار ولعب بالنار، وقد أعذر من أنذر»، متوعدةً المتظاهرين بأنه «عندها لن تنفعهم أميركا ولا الغرب ولا قناة الجزيرة المأجورة».
كذلك أكد مصدر رسمي في حركة اللجان أن الأخيرة لن تسمح لمجموعة «تتحرك في الليل» بسرقة مكتسبات الشعب الليبي والعبث بأمن ليبيا واستقرارها. وقال إن «الحركة تدعو الجماهير والمواطنين إلى حل مشاكلهم وقضاياهم من خلال المؤتمرات الشعبية، التي لا يوجد عليها أي فيتو في التحدث بحرية، والمطالبة حتى بإسقاط الحكومة إن أرادت ذلك، وفضح أي خلل أو فساد في المنظومة الرسمية».
تبدو اللجان في خطابها تتأرجح بين الخير والشر، تارةً هي إلهة وطوراً هي من سلاسة الشياطين، لكنّ قيمها المثالية التي كُتبت على صفحتها الإلكترونية لا تجسّد بالضرورة واقع الأمر.
تُعرّف هذه اللجان نفسها بأنها حركة سياسية تدعو إلى قيام سلطة الشعب (الديموقراطية المباشرة) من خلال أفكار النظرية العالمية الثالثة التي يحتويها الكتاب الأخضر، حيث يمارس الشعب السلطة من خلال المؤتمرات الشعبية الأساسية كأداة للتشريع، واللجان الشعبية كأداة للتنفيذ. والحركة في فكرتها ليست أداة لممارسة السلطة، وليس من أهدافها الوصول إلى الحكم. لكنها تؤمن بالعمل على وصول الناس إليها من خلال تحريضهم على الانتظام في مؤتمرات شعبية أساسية.
تتبنى الحركة الأطروحات الاقتصادية الواردة في الكتاب الأخضر كحلول لمشاكل العمل والملكية والأجرة والإيجار والاتجار وغيرها، كما تأخذ بالأطروحات الاجتماعية الواردة في الركن الاجتماعي للنظرية العالمية الثالثة. والأهم أن هذه اللجان توصف بأنها «الذراع الطولى للعقيد معمر القذافي في الداخل والخارج منذ عام 1978».
مثالية قد تبدو بعيدة عن الواقع، فالناشط في مجال حقوق الإنسان المهدي كشبور قال لـ «الجزيرة نت» إن «اللجان انحرفت عن أهدافها في ترشيد المواطنين حول فكرة الديموقراطية المباشرة التي جاء بها الكتاب الأخضر إلى تنظيم مسلّح مدعوم بقوة من الدولة»، مؤكداً أنها «قوة متنفّذة» في أجهزة الدولة وإداراتها، «إذ لا يوجد جهاز إداري في الدولة سواء أكان خدمياً أم تنفيذياً إلا لها اليد الطولى فيه».
وتابع كشبور أن «اللجان لا تحتاج إلى إعادة هيكلة إدارية، بل يجب أن تنهي نفسها بنفسها بعدما انتهى دورها وبلغت غايتها. وفي أسوأ الأحوال، يجب أن تتخلى عن سلاحها ونفوذها داخل الدولة، وتتحول إلى العمل الأهلي ذي الطابع الاجتماعي»، مضيفاً إن «الشكل الحالي لها يتناقض مع الكتاب الأخضر!».
لكنّ احتمال حلّ اللجان الثورية نفسها يبدو أقرب إلى حلم لن يتحقق إلا مع انتهاء القذافي. يسعى محمد يوسف في كتابه «جرائم اللجان الثورية في ليبيا، من المسؤول عنها؟»، إلى برهنة مدى «ميليشيوية» هذه اللجان، مستنداً إلى كتابات القذافي الرسمية ومقابلاته الصحافية. يقول إن هذه اللجان «ليست إلا أداة قمع وتنكيل ارتكبت كل جرائمها بتحريض وأوامر مباشرة من القذافي؛ فهو مؤسّسها وممولها ومنظّرها وراعيها. ولم تقم منذ تأسيسها عام 1977 الى اليوم، بأي تعذيب أو خطف أو اغتيال أو إعدام إلا بإذنه. دورها لا يختلف عن دور غستابو في ألمانيا النازية، والقمصان السود في إيطاليا الفاشية، والسافاك في إيران إبّان حكم الشاهنشاه...».
موقف يوسف يتفق مع موقف الكاتبة المعارضة ليلى أحمد الهوني. فالأخيرة تسعى إلى تفنيد ممارسات هذه اللجان في مقالات عدة. في رأيها، اللجان مسؤولة عن أحداث نيسان عام 1976 والهجوم على الجامعات، واعتقال الطلاب ونصب المشانق لهم. وبعد إقفال المحالّ التجارية عام 1979، سطت اللجان الثورية على تلك المحال وزجّت برجال الأعمال والتجّار في المعتقلات والسجون وصادرت جميع أموالهم وممتلكاتهم، ما أدى إلى إصابة الكثيرين منهم بأمراض مختلفة أدت بالتالي إلى وفاتهم.
كذلك عمدت هذه اللجان، بحسب الهوني، إلى دهم المساجد واعتقال الأئمة والمشايخ. وتعقّبت المعارضين الليبيّين خارج ليبيا، ثم خطفتهم وقتلتهم في شوارع عواصم الدول العربية والأجنبية... إلخ.