يشبه النظام الليبي معظم الأنظمة الشمولية التي تتميّز ببنيانها الهرمي القائم على قاعدة مقلوبة، يكون الشعب في أسفل الهرم، والحاكم وعائلته في أعلاه، وتتوسّطه الأجهزة الحزبية والعسكرية والأمنية. ويعتمد هذا النظام أساساً على العقيد معمر القذافي، كأعلى هرم للسلطة، وقد وصلت مدّة حكمه إلى 42 عاماً، وهي مدّة كافية لتكوين حزام عائلي من حوله، تعدّدت مشاربه وأهواؤه وهواياته، لكن تبقى شهوة السلطة والمال والنفوذ هي الجامع بينهم، وتبقى حركاتهم الاستعراضية واستكبارهم على أبناء الشعب ومفاخرتهم بما يملكون هي القاعدة الأساسية في تصرّفاتهم.والأبناء الستة للقذافي لم يشذّوا عن هذه القاعدة، بل كرّسوها على أسوأ وجه، فتعددت فضائحهم المالية والأخلاقية، وأصبحوا في العديد من المناسبات رموزاً للفساد والتبذير والتلاعب بأموال الشعب وسرقتها علناً. وليست حكاية نجله الأصغر هنيبعل مع القضاء السويسري بقديمة، حيث تعمّد الاعتداء على خادمة تونسية ومرافق مغربي بعنف شديد للغاية، فأوقفته الشرطة السويسرية، ما استوجب من طرابلس الغرب قطع العلاقات مع سويسرا، وشنّ هجوم إعلامي كبير عليها، وصل إلى حدّ إعلان «الجهاد ضد سويسرا الكافرة»، من قبل العقيد القذافي نفسه.
ولإلقاء بعض الضوء على عائلة القذافي وأبنائه، هنا نبذة عن أهم المحيطين به، وبعض من طبائعهم:
ـــــ سيف الإسلام القذافي، هو النجل الثاني للعقيد القذافي من زوجته الثانية، مهندس ويحمل أفكاراً ليبرالية تؤمن بالتعدُّدية وحقوق الإنسان والعمل الجمعياتي. أنشأ في بداية العقد الأخير منظمة شبابية موالية له، تدعو إلى تكريس مبادئه المتمثلة خاصة في برنامجه الشهير الذي أطلق عليه اسم «ليبيا الغد».
وقد تملّك، في إطار هذا البرنامج، العديد من المحطات الإعلامية، كقناة «الشبابية» الفضائية، وصحيفتَي «قورينا» في بنغازي و«أويا» في طرابلس، وقناة «ليبيا الرياضية»، وغيرها من المواقع الإلكترونية والإذاعات المحلية. ويمتاز سيف الإسلام خاصة بترؤّسه «جمعية القذافي الخيرية» التي توسّطت في العديد من الخلافات، وتمكّنت مراراً من النجاح في ذلك. هو مُغرَم بالسلطة، وإن كان يُظهر اختلافاً عن توجهات والده، إلا أنه يُعدّ أحد أعمدة النظام.
ـــــ الساعدي القذافي: ليست له ميول سياسية، بل يتّجه عادة إلى النشاطات الرياضية، ولعب كرة القدم، ووصل به الأمر في سنة 2003 إلى شراء النصيب الأكبر من فريق «جوفنتوس» الإيطالي، إضافة إلى امتلاكه للعديد من العقارات داخل ليبيا وخارجها، وله إسهامات كبيرة في شركات السيارات والسباقات والراليات.
ـــــ المعتصم القذافي: هو الابن العسكري الملاصق دوماً لوالده، يتزعّم كتيبة «فدائيي القائد» التي تعسكر في الجبل الأخضر، ويبلغ قوامها نحو 10 آلاف رجل، تدين له بالولاء التام، وتأتمر فقط بأوامره. سافر إلى عدد من الدول الغربية رسولاً للنيّات الحسنة بين نظام أبيه والدول الغربية، لفك الحصار عن ليبيا، في إطار صراعها مع الغرب. وقد نجح في تجنيب النظام الليبي بعض الأزمات، وخاصة عندما التقى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، وهي المناسبة التي رأى فيها المراقبون أنها تهيئة له لوراثة السلطة عن العقيد.
ـــــ هنيبعل القذافي: أصغر الأبناء. يمتاز بعدوانية ورعونة في التصرّف، سبّبتا مراراً إشكالات قانونية وأخلاقية لوالده ولنظامه، لعل أهمها تلك الحادثة الشهيرة التي اعتدى خلالها بالضرب على خادمة تونسية ومرافق مغربي كانا معه في رحلة استجمام إلى سويسرا. بعدها اعتُقل، وسبّب ذلك اندلاع أزمة دبلوماسية بين الجماهيرية وكلّ من سويسرا والاتحاد الأوروبي، وصلت إلى حدّ إعلان العقيد الجهاد على سويسرا «الكافرة» في صلاة المولد في 2009.
ـــــ خميس القذافي: الابن الثاني من الزوجة الأولى، وهو عسكري، صامت ومتوارٍ عن الأنظار. يقود كتيبة خاصة به، يُطلق عليها اسم «فدائيي الثورة»، وتعسكر في الصحراء على مشارف مدينة سبها، موطن عشيرته القذاذفة. له علاقات مهمة بكبار العسكريين، ويحظى بنوع من الاحترام، وخاصة لدى التيار المحافظ، باعتباره كان الوسيط في إطلاق سراح العديد من السجناء الإسلاميين، والعفو عن «جماعة السلفية المقاتلة».
قد تكون السمة الأبرز «للعائلة الحاكمة» أنّ أياً منهم لا يحمل صفة رسمية في الدولة، إلا أنهم يملكون كل شيء، ويتمتعون بصلاحيات تفوق صلاحيات كل الوزراء والمسؤولين.