خرج إقليم برقة، الذي تُعدّ بنغازي عاصمته، تماماً عن سيطرة السلطة الليبية إثر ثورة 17 فبراير، ما مثّل منعطفاً في مسار الثورة الليبية، على اعتبار أن الإقليم يحمل مزايا جيواستراتيجية على درجة كبيرة من الأهميّة.ويضم الإقليم نحو مليون وثمانمئة ألف ساكن، ويمتد من السلوم شرقاً إلى اجدابيا غرباً. وتُعرف برقة تاريخياً باسم المنطقة الشرقية حالياً. ومن أهم مدن المنطقة الشرقية طبرق ودرنة وبنغازي والبيضاء واجدابيا، وهي مدن ساحلية تمتاز باختلاطها السكاني، وكثرة العمالة المصرية والصينية فيها، لكن رغم التطوّر والتمدّن الذي ظهر في المجتمع الليبي منذ سبعينيات القرن الماضي فإنها حافظت على تركيبتها القبلية المتنوعة.
ومن أهم القبائل العربية التي تقطن برقة اليوم نجد قبيلة المغاربة، التي تتكوّن من فرعين أساسيين هما الرعيصات والشمّاخ، ومقرّها الأصلي في اجدابيا، وتمتد بطونها إلى عدة مدن وقرى على طول الساحل الشرقي والجبل الأخضر. كذلك تضم المنطقة قبيلة العبيدات، ومنها وزير الداخلية عبد الفتاح يونس العبيدي، الذي استقال من حكومة القذافي وأعلن انضمامه إلى الثوار. وتعرف القبيلة بالسطوة والقوة، حيث تتكوّن من فخذين أسياسيين هما أولاد أحمد، ومنهم العقيد الخويلدي الحميدي، وقبيلة أولاد سلام، التي تسيطر على مدينة البيضاء بالتشارك مع قبيلة البراعصة، التي منها صفية بنت فركاش زوجة القذافي ووالدة سيف الإسلام، وكانت تُعدّ حليفاً قوياً للنظام إلى حين اندلاع الثورة.
أما قبائل الحرابي والفواتير، فتحتل أقصى المنطقة الشرقية وتمتد أطرافها وبطونها إلى مرسى مطروح في مصر، وواحة سيوة في الصحراء الغربية المصرية. ويمارس أولاد الفيتوري وأولاد علي التجارة والتهريب وتربية الإبل على طول الحدود المصرية الليبية، وهم معروفون بأنهم يوالون السلطة متى أمنوا جانبها، ويخرجون عنها في أول ظهور لعلامات الضعف فيها، كما حصل منذ اليوم الأول للثورة.
أما أهمّ القبائل عدداً، فهي بلا شك الحاسة، وهي جمع حواس، ويقطن أبناء القبيلة عاصمة الشرق بنغازي، وعددهم يربو على مليون نسمة. ولا تزال عند معظمهم نزعة للانفصال منذ ثورة الفاتح في 1969، التي رأوا فيها انقضاضاً على ملكهم وتحويلاً للعاصمة من منطقتهم الى طرابلس.
وبينهم وبين النظام الليبي ثارات قديمة ومعارك متعددة.
وقد سدّدت قبيلة الحاسة ضربة قاسية خلال العام المنصرم الى العقيد القذافي، عن طريق ابن المسامرة أحمد المسماري، الذي فرّ الى فرنسا وطلب اللجوء السياسي، بعدما كان بمثابة كاتم سرّ ومرافق شخصي ومدير للتشريفات ومترجم ومشرف على مقابلات القذافي لمدة خمسة عشر عاماً.
أما أولاد سهل، فيمتدّ نفوذهم إلى منطقة درنة وما جاورها الى حدود طبرق والسلوم، ويُعرف السهليون بأنهم تجّار ومقاتلون شرسون، كما يشتهرون بانتماء معظم شبابهم الى السلفية الجهادية والحركات الإسلامية، بحكم تأثّرهم بالمراجع الشافعية وحركة الإخوان المسلمين في مصر، ولا تربطهم بالنظام علاقة ودّية رغم أن أحمد قذّاف الدمّ كثيراً ما يزورهم وتزوّج منهم.
من جهتها، تسكن قبيلة المجابرة على طول الشريط الساحلي ما بعد اجدابيا في الطريق الى سرت، وتمتد بطونها الى داخل الخليج غرباً، وإلى البيضاء شمالًا.
وإلى جانب تعدد قبائلها، تعد منطقة برقة من أغنى المناطق بالنفط والغاز. وتضمّ حقولاً عديدة للغاز الطبيعي في منطقة بنغازي ودرنة، كما تضم مصفاتي نفط في البيضاء ودرنة، إضافةً إلى وجود كميات مهمّة من النفط في شرقي خليج سرت والبيضاء واجدابيا. وعن طريق ميناء بنغازي تصدّر ليبيا أكثر من نصف إنتاجها من النفط والغاز، كما أن مطار بنينة المدني يُعدّ ثاني أكبر المطارات في ليبيا بعد مطار طرابلس، فيما تضم المنطقة قواعد عسكرية ومواقع استراتيجية مهمّة، على غرار قاعدة بنينة الجوية، وثكنة الفرسان الأولى التي تُعدّ أكبر قاعدة للمدرعات في ليبيا، إضافةً الى احتوائها على ثلاث كليات عسكرية وقاعدة بحرية ضخمة، ومقرّ الفوجين الثاني والثالث لقوات الصاعقة، وكتيبة خميس الخاصة، وفرقتي مشاة، الى جانب لواء عسكري كامل مكلّف حماية المنطقة الشرقية، يقوده مباشرةً وزير الدفاع بوبكر يونس جابر.



معركة في طرابلس

لم تعد المنطقة الشرقيّة وحدها في قبضة المعارضة الليبية، بل أصبحت العاصمة طرابلس قاب قوسين أو أدنى من التحرير، حيث قتل أمس خمسة أشخاص برصاص قوات الزعيم الليبي معمر القذافي. وقال أحد المقيمين في العاصمة الليبية، إن خمسة أشخاص على الأقل قتلوا عندما فتحت قوات الأمن النار على احتجاجات معارضة للحكومة في حي جنزور في غرب طرابلس.
وتواصل زحف المعارضة أمس من مدينة تاجوراء الواقعة شرقي طرابلس، حيث أفادت نشرة «المنارة» الإلكترونية أن مواجهات عنيفة حصلت في تاجوراء بين قوات الجيش التي انضمت إلى المتظاهرين وقوات الأمن. وشهد سكان من أحياء طرابلس، أن محتجّين كانوا يهتفون بشعارات ضد القذافي في حي فشلوم الواقع شرق العاصمة، وأضافوا إنّ «قوات القذافي تطلق الرصاص على المحتجين في حي جنزور» بطرابلس أيضاً. وأشاروا الى أن «بين 5 و7 محتجين قتلوا في تظاهرات جنزور قبل نحو 15 دقيقة».
وقال مقيم في طرابلس، إنّ القنّاصة يقتلون الناس في العاصمة الليبية.
(الأخبار)