باريس | على مدى عشرة أيام، بينما كان الديكتاتور معمر القذافي يمعن في ذبح شعبه، كان التردد سيد الموقف الغربي. الرئيس الأميركي باراك أوباما كان ينتظر ترحيل جميع الأميركيين خوفاً من الوقوع في فخ «احتلال السفارة». الأوروبيون كانوا ينتظرون الأميركيين، وينتظرون التوصل إلى قرار، في ظل رغبة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في موقف متقدّم، ومطالب «صديق القذافي» (رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو) برلوسكوني بمشاركة أوروبية في تحمّل مصاريف المهاجرين، والبحث عن أموال «قبيلة القذافي». ومع خروج آخر غربي من الأرض الليبية، تسارعت الأمور، واجتمع مجلس الأمن، بناءً على طلب باريس ولندن، للتباحث في الوضع الليبي. وعلمت «الأخبار» أنه رغم «التوافق والإجماع على إدانة ما يحصل على الأرض، فإن جدلاً كبيراً حصل» بين مختلف الدول الأعضاء، قبل أن يخرج قرار عدّه أكثر من مراقب «فريداً».
وشرح مندوب فرنسا الدائم جيرار أرو «مميزات هذا القرار»، قائلاً إنه «يجب اعتباره تحذيراً لكل رؤساء الدول الذين يمكنهم أن يلجأوا إلى العنف والقمع» تجاه «رياح التغيير والحرية». وأشار إلى أن فرنسا وبريطانيا، العضوان في المحكمة الجنائية الدولية، يعدّان هذا القرار «انتصاراً كبيراً للقضية التي يدافعان عنها». وبالفعل، فإن القرار يحمل توجهين متلازمين؛ فهو يعدد قائمة عقوبات «موجهة إلى أفراد» إلى جانب حظر بيع السلاح لليبيا من جهة، ويقرر إحالة الملف على المحكمة الجنائية الدولية من جهة أخرى.
أما الجدل «الحامي» فقد حصل، بحسب مصادر موثوقة، بسبب رغبة واشنطن في تضمين القرار فقرة تسمح باستخدام القوة ضد القذافي «إذا لزم الأمر»، الأمر الذي عارضته الصين بقوة، وتحفظت عليه كل من البرازيل وروسيا، فيما لم تتشدّد باريس أو لندن بسبب الخوف من استرجاع القذافي قدرته «على تجييش القبائل ضد الغزو الغربي»، وهو تخوّف أبداه عدد من الدول الأعضاء.
ويقول خبير فرنسي إن هذا القرار يعدّ غريباً بعض الشيء، لكنه يعبّر عن تردّد «الثلاثي الغربي المهيمن»، في إشارة إلى فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، في إعلان «نهاية النظام الليبي». فقرار العقوبات يتضمن قائمة أسماء ١٦ شخصية لحظر السفر، وتجميد أرصدة ٦ من عائلة القذافي، إلا أن مقدمة القرار تتوجه إلى «الحاكم الحالي» حين يعرب المجلس عن «إدانة العنف واستخدام القوة ضد المدنيين».
أما العمل بموجب الفصل السابع، فيتضمن نوعاً من التلويح بالعمل العسكري، إذ يدعو إلى «إنهاء فوري للعنف، واتخاذ إجراءات تستجيب للمطالب الشرعية للشعب»، ويسمح بموجب المواد ٤٢ و٤٣ و٤٥ «أن تتخذ القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادتهما إلى نصابهما». أمر طبّقته الولايات المتحدة في العراق من دون العودة إلى مجلس الأمن. وهذه المواد يمكن أن تقرأ كأنها موجهة إلى العقيد القذافي المتحصّن في قلعة العزيزية، إذا رفض الانصياع لمطالب المجتمع الدولي.
ويقول المراقبون في العاصمة الفرنسية إن هذا القرار يحمل أهمية في بعده الإنساني، أي «محاصرة ديكتاتور بسبب قمعه لشعبه» وإحالته على القضاء الدولي. إلا أنه يفتح الباب أمام «وضع ليبيا تحت وصاية دولية من دون تغيير النظام». فالمطلوب تنفيذه بعد التهديد بالفصل السابع لا يزال موجهاً إلى «نظام شبيه بنظام القذافي البائد مع تحسينات»، مثل «التصرف بضبط النفس، واحترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والسماح بالدخول الفوري لمراقبين دوليين لحقوق الإنسان، وضمان ممر آمن للمساعدات الإنسانية والطبية، والرفع الفوري للقيود على جميع وسائل الإعلام، مع ضمان أمن جميع الرعايا الأجانب». مطالب تبدو موجهة إلى «من سيحلّ مكان القذافي». كذلك فإن «حظر بيع السلاح لليبيا يذهب بعيداً في الزمن»، إذ لم يوضع ليرفع بمجرد أن يزول الديكتاتور، بل يرى أحد الخبراء أنه «تأطير لدور ليبيا في المستقبل» بما يمنع عودة أي دور إقليمي لها.
صحيح أن الفقرة ٢٦ من القرار تقول إن المجلس يحرص على مراجعة دقيقة للوضع ولملاءمة الإجراءات لـ«تعزيز أو تعطيل أو تعديل أي من هذه الإجراءات حسب الضرورة»، إلا أن الخبراء يذكّرون بأن تعديل هذا القرار، مثل كل قرارات المجلس، يخضع لمبدأ الفيتو.