رحبت الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بدعوة الجامعة العربية الى فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، في قرار رأى الموقف الليبي الرسمي أنه «أسّس على ادّعاءات كاذبة». لكن التطورات الميدانية في اليومين الماضيين حملت أخباراً غير سارة عن وضع الثوار الليبيين، في ظل سيطرة القوات الحكومية على أهم مدينتين من الناحية الاستراتيجية والنفطية في الشرق والغرب، هما الزاوية ورأس لانوف، فيما سقطت مدينة البريقة في شرق البلاد، في أيدي كتائب القذافي، بما يشير الى تقدم قوات السلطة نحو أهم معاقل الثوار في بنغازي.
وفي العاصمة الليبية طرابلس، أعلنت وزارة الخارجية في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية (اوج)، أن «قرار الجامعة العربية أُسس على ادعاءات كاذبة وتشويه صريح للحقائق وما جرى على الأرض، والتي عملنا على إيضاحها وإتاحتها أمام الجميع، بل طالبنا مراراً بإيفاد لجان للتحقيق».
ونقل التلفزيون عن اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي (وزارة الخارجية)، قولها إن القرار «خروج غير مقبول على ميثاق الجامعة العربية وعلى الممارسات التي تكرست في الجامعة العربية منذ إنشائها».
وأضاف البيان «كان الأولى بمجلس الجامعة أن يقرر إرسال لجنة لتقصي الحقائق أولاً».
وكان وزراء خارجية دول الجامعة العربية قد طلبوا أول من أمس، في قرار اعتمدوه إثر اجتماعهم الطارئ في القاهرة، من مجلس الأمن الدولي «تحمّل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي فوراً»، والذي يستخدمه نظام القذافي سلاحاً لاستعادة مدن سيطر عليها الثوار.
وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أن اجتماع الجامعة، أسفر عن قرار بأن «الانتهاكات الجسيمة والجرائم الخطيرة» التي ارتكبتها حكومة القذافي ضد الشعب جرّدتها من الشرعية.
غير أن مراقبين يعتقدون أنه لا غنى عن القرار العربي لأي تدخل غربي لتحييد استخدام نظام القذافي لسلاح الجو في المواجهات الحالية في ليبيا، فيما بات على مجلس الأمن الدولي الاستعداد لاتخاذ القرار الذى يتيح منع استخدام القوة الجوية المهلكة للثوار الليبيين، وخاصة في ظل تقدم القوات الموالية للقذافي على الأرض وسيطرتها على منطقة حوض الصناعات النفطية الذي يمتد من رأس لانوف إلى البريقة، التي لا تبعد سوى 230 كيلومتراً عن بنغازي و70 كيلومتراً عن أجدابيا، حيث يتحصن
الثوار.
وفيما لم يصدر أي تصريح يؤكد عزم الولايات المتحدة على الضغط من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن، أصدر البيت الأبيض بياناً جاء فيه «نرحب بهذه الخطوة الصادرة عن الجامعة العربية، وهي تعزز الضغط الدولي على القذافي وتدعم الشعب الليبي».
وأضاف إن «المجتمع الدولي موحّد في توجيه رسالة واضحة بأنه لا بد من توقف العنف في ليبيا، وبأنه لا بد من محاسبة نظام القذافي».
ويقول مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة إلى جانب روسيا التي تمتلك القدرات العسكرية والمراقبة الاستخبارية من الجو وتعطيل منظومة الدفاع الجوي والاتصالات لدى ليبيا لفرض حظر جوي فعال، بينما يرى وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، أن «البنتاغون» قادر على تنفيذ ذلك إذا تلقى أوامر من الرئيس باراك أوباما.
وتقول الحكومة الأميركية إنه ينبغي على الدول العربية أن تقوم بأكثر من إصدار قرار يتبنى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا بأن تشارك بالفعل في هذا الشأن.
وقال مسؤول أميركي «إن هذا لا يعني أن تشارك الدول العربية بطائرات حربية، بل هناك الكثير مما يمكن أن تفعله من توفير المطارات والقواعد الجوية إلى توفير وقود الطائرات والصيانة».
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن دبلوماسي عضو في مجلس الأمن قوله إن قرار جامعة الدول العربية كان «مساعداً، لكن هناك الكثير من التحفظات داخل المجلس في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن القرار العربي لم يؤد بعد إلى إزالة كل ما يعوق تبني مجلس الأمن قراراً بفرض الحظر الجوي، وخصوصاً أن القوات الموالية للقذافي تعتمد اعتماداً رئيسياً على المدفعية والدبابات في هجماتها، فيما تظهر استخداماً محدوداً للطيران العسكري.
أمّا باريس، فقد رحبت من ناحيتها بدعوة الجامعة العربية. وقال وزير الخارجية، آلان جوبيه، في بيان، إن بلاده «ستعزز جهودها في الساعات المقبلة بالتعاون مع شركائها في الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي والمجلس الوطني الانتقالي الليبي».
وفي لندن، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية قولها إن إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا مجرد خيار حتى الآن «يسمح بالرد السريع عند الضرورة».
ونقلت «بي بي سي» عن بعض المراقبين قولهم إن خيار الحظر الجوي لا يحظى على ما يبدو بتأييد الصين وروسيا، فيما تتخذ الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا خطاً أكثر حذراً.
وفي برلين، رحب وزير الخارجية الألماني، غيدو فيسترفيله، بموقف جامعة الدول العربية. ودعا مجلس الأمن الدولي الى الانعقاد «بأقصى سرعة ممكنة لمناقشة الأوضاع في ليبيا مجدداً».
وفي باريس أيضاً، يجتمع وزراء خارجية مجموعة الثماني اليوم وغداً، للسعي الى تقريب مواقفهم بشأن ليبيا وخصوصاً بصدد إقامة منطقة حظر جوي تطالب بها الجامعة العربية في مواجهة الهجوم المضاد لقوات القذافي.
فبعد اجتماعات عدة بين الغربيين في إطار الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي لم تفض الى موقف حاسم في هذا الشأن، ستجري وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونظراؤها الأوروبيون مشاورات مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي ما يزال موقف بلاده غامضاً أيضاً بهذا الخصوص.
وأبدى وزراء خارجية الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الذين اجتمعوا السبت في المجر، تحفّظات شديدة على أي تدخل عسكري في ليبيا، معتبرين أنه الحل الأخير.
في هذه الأثناء، أعلن المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة الذي انشقّ عن نظام القذافي، عبد الرحمن شلقم، في واشنطن، أن وزيرة الخارجية الأميركية ستلتقي محمود جبريل المكلف الشؤون الدولية من قبل المجلس الوطني الانتقالي اليوم في باريس.
من جهته، أعلن رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي، مصطفى عبد الجليل، أن قرار وزراء الخارجية العرب بالاتصال بالمجلس يعدّ اعترافاً ضمنياً به. وحذر من أن يؤدي هجوم كاسح لقوات القذافي على بنغازي إلى مقتل نحو نصف مليون ليبي.
ويأتي تحذير عبد الجليل بعد تطورات على الأرض لا تصبّ في مصلحة الثوار. ونقل التلفزيون الرسمي في العاصمة طرابلس، حيث معقل الزعيم الليبي معمر القذافي، عن «مصدر عسكري» أنه «جرى تطهير مدينة البريقة من العصابات المسلحة».
أمّا مدينة الزاوية التي سقطت أول من أمس في أيدي السلطة، فقد تعرضت للدمار، وسوّت قوات القذافي مقابر دفن فيها مقاتلون من المعارضة بالأرض. وقال مقاتل من المعارضة يدعى محمد أحمد إنهم يستعدون لمواجهة مجزرة.
وشرقاً، تمكنت قوات القذافي من السيطرة على رأس لانوف بعد يوم من تنفيذها هجوماً برمائياً على المدينة النفطية الساحلية استخدمت فيه دبابات ومقاتلات ضد الثوار المسلحين بأسلحة خفيفة.
من جهة ثانية، قال متحدث باسم قوات المعارضة، إن تمرداً حدث داخل كتيبة خميس معمر القذافي، بينما كانت تزحف إلى مدينة مصراتة، مشيراً الى انضمام 32 فرداً إلى قوات المعارضة التي تسيطر على المدينة. وقال إن أحد المنشقّين يحمل رتبة لواء.
وأضاف إن الكتيبة التي تقف على بعد نحو ما بين 10 و15 كيلومتراً إلى الجنوب من مصراتة، انخرطت في قتال بالأسلحة النارية بعدما أحجم عشرات من الجنود عن فكرة قتل المدنيين. وفيما تتقدم كتائب القذافي نحو الشرق على طول الساحل الليبي، توعّد سيف الاسلام القذافي، بخوض الحرب «حتى النهاية»، معرباً عن ثقته في أن القوات الحكومية ستنتصر.
وقال سيف الإسلام لمراسلي صحف إيطالية «سينتهي كل شيء في القريب العاجل»، مدّعياً أن قوات النظام استعادت «90 في المئة من البلاد».
في هذا الوقت، أعلن آمر التوجيه المعنوي في القوات المسلحة الليبية، العقيد ميلاد الفقهي، أن القوات المسلحة ستواصل التوجه شرقاً، مؤكداً عزمها على «تحرير» جميع المدن الليبية من العناصر «الجهادية المتطرفة». وقال، في مؤتمر صحافي، «الليلة وغداً ستسمعون أخباراً جيدة لتحرير البؤرة الثورية العالمية» في إشارة منه إلى ليبيا، مشيراً الى أن الهجوم «الكاسح» مكّن الحكومة من السيطرة على «الزاوية ورأس لانوف وتطهير العقيلة والبريقة».
في المقابل، أعلن المتحدث باسم المجلس الوطني الليبي، عبد الحفيظ غوقة، أن الانتفاضة بدأت وأن الشعب انتصر. وأضاف إن كل ما يريدونه الآن هو الحرب على العصابات وإنهم يعتقدون أن فرض منطقة لحظر الطيران سيمكنهم من الانتصار.
وتابع إنه في الوقت الراهن، هناك جهد كبير يبذل لتعزيز تسلحهم، وإنهم يعملون على استيراد أنواع مختلفة من الأسلحة إلى ليبيا لمواجهة القوات الحكومية. وذكر أنه إذا لم تتخذ خطوات بشأن منطقة حظر الطيران فسيضطرون إلى الأخذ بزمام المبادرة لتسليح أنفسهم لأكبر قدر ممكن ومواصلة القتال.
الى ذلك، أعلنت ليبيا أمس أن موانئها النفطية باتت آمنة، ودعت الشركات النفطية الى إرسال ناقلاتها لاستئناف شحن النفط، حسبما أفاد التلفزيون الرسمي الليبي.
(الأخبار، أ ف ب،
رويترز، يو بي آي)