هي بالتأكيد خطوة مفاجئة. 1200 جندي سعودي يدخلون مع إطلالة الفجر إلى البحرين، قبل أن تتبعهم وحدات إماراتية وكويتية. حركة لا شك في أن لها ما يفرضها من وجهة نظر الرياض، التي تعدّها «هجوماً استباقياً» في منطقة هي جزء من الأمن القومي السعودي. محاولة لدرء خطر يبدو في طريقه إلى المملكة.
خطوة تبريراتها المعلنة بسيطة: طلب من الحكومة البحرينية إلى مجلس التعاون. أما الضمنية فكثيرة: دقة الوضع في البحرين، بعدما تحول الخلاف إلى صراع مذهبي، والمخاوف من تدخلات خارجية مع تلميحات إلى إيران، فضلاً عن الإصرار على تحميل المعارضة البحرينية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وذلك بفعل «انقسامها». والأنكى من كل ذلك اللباس الذي يرتديه التدخل وخلاصته: قضية بين العرب أنفسهم، بل بين الخليجيين أنفسهم، وهناك معاهدات دفاع مشترك، فلا شأن للآخرين بما يجري.
ومع ذلك، تبقى الخطوة صادمة، وتفتح المنطقة الخليجية على المجهول. أولاً بسبب الاتفاق الضمني، الذي يجمع كثيرون على أنه كان موجوداً بين السعودية وإيران، على ألا تتدخل أي منهما عسكرياً في البحرين. وثانياً لكون هذه الخطوة غير مسبوقة، وتهدد بأن تتحول إلى نموذج للتعامل مع غيرها من الانتفاضات الشعبية في أماكن أخرى. وثالثاً لما تتضمنه المشكلة البحرينية من بعد مذهبي وديموغرافي يهدد بأن ينتقل إلى أماكن أخرى حيث الأوضاع مشابهة. ورابعاً، وهو الأهم، بسبب الاستياء الإيراني الواضح، الذي يلامس حد الغضب، من تلك «المغامرة الطائشة التي لا تُحمد عقباها»، وإن كانت طهران تنظر إليها في سياق تطورات المنطقة، من حيث ضرورة عدم كسر إرادات الشعوب بالقبضات الحديدية وعدم المس بالمعادلات الإقليمية والحدود.
ويؤكد مصدر إيراني فاعل في صناعة القرار في طهران قائلاً: «إننا فوجئنا بموقف السعودية ولجوئها إلى هذه الخطوة المسكونة باستخدام العنف والقوة، وبالتالي إدخال نفسها طرفاً في حراك يفترض أنه سلمي يدور في أكثر من بلد عربي بين إرادة الشعوب وبعض حكامها». ويضيف المصدر المعني بشؤون المنطقة العربية والإسلامية أن «خطوة كهذه لم نكن ننتظرها من دولة ذات ثقل عربي وإسلامي مثل المملكة العربية السعودية التي كان الأجدى لها والأفضل لنا أن تأخذ طريق الحكمة والدراية والفطنة إلى ما يدور في المنطقة ومن حولها، وخاصة أنها مقر منظمة المؤتمر الإسلامي». ويوضح أنها «بدخولها طرفاً في مثل هذا المعترك وانحيازها لغير مصلحة إرادة الشعوب ومطالبها المشروعة التي باتت معترفاً بها من المجتمع الدولي، إنما وضعت نفسها وجهاً لوجه أمام مجمل إرادة شعوب المنطقة».
ويشدد المصدر نفسه على أن «درس اليمن يُفترض أنه لا يزال طازجاً بالنسبة إليها، وخاصة أن دماء الأبرياء التي سالت هناك لم تجف بعد على الجانبين. درس كنا نتمنى على قادة المملكة أن يعتبروا منه، هو الذي زجّ الشعب السعودي في نزاع ليس فيه مصلحة له ولا لأي من شعوب جيرانه، فضلاً عن أنه هزّ هيبة جيش المملكة». ويختم المصدر بالقول إن «توقعاتنا، كما توقعات الرأي العام في المنطقة والعالم الذي بدأ يميل بوضوح إلى الاعتراف بمطالب الشعوب، أن يعيد قادة المملكة النظر جدياً في خطوتهم غير الحكيمة والطائشة والمغامرة هذه، والنأي بالمملكة عما لا تُحمد عقباه».
وفي السياق نفسه، تؤكد مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران، في تعليقها على دخول قوات من درع الجزيرة البحرين، «هنا اللعب بالنار يمكن أن يُشعل هشيم السعودية نفسها والمنطقة، ومن بيته من زجاج لا يرمي الناس بحجارة».
وتفيد معلومات «الأخبار» بأن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي سيتصل بكل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لبحث هذه القضية «والتحذير من خطورة ما يجري والمطالبة بمواقف واضحة». وتضيف المعلومات نفسها أن «الإيرانيين لا يريدون أن تصبح القضية إيرانية سعودية أو إيرانية بحرينية. المسألة بالنسبة إليهم لها علاقة بالمنطقة كلها».
مصادر عليمة بشؤون إيران وشجونها تؤكد أن «طهران تحاول النأي بنفسها عن الدخول في هذا المعترك، وتتمنى على قادة البحرين أن يجدوا حلاً تسووياً بينهم وبين شعبهم. ما يجري في البحرين بالنسبة إليها قضية بحرينية داخلية». وتضيف أن «ما يعني الجمهورية الإسلامية هو المشهد العام في المنطقة. هي ضد التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتريد أن تُترك للشعوب الحرية في أخذ قراراتها مع عدم المس بمعادلات المنطقة وحدودها». وتوضح أن «التلويح بالقبضة الحديدية كلما خرجت تظاهرة في مكان ما وفتح الحدود لدخول قوات لقمعها، فعل كهذا يمكن أن يجرّ على أصحابه نتائج وخيمة، وهذا لعب بنار من الصعب إطفائها». وتختم بالقول إن «أي تدخل من خارج الحدود وتحت أي عنوان، عربي أو إسلامي أو إنساني...، يمكن أن يدخل الأمور بعضها ببعض ويؤدي إلى تدويل ملفات المنطقة وعسكرة المطالب المحقة للشعوب التي بدأت سلمية ولا تزال، ولا بد أن يدفع الجميع الثمن في النهاية».
في المقابل، تؤكد مصادر قريبة من السعودية أن البحرين بالنسبة إلى الرياض «مسألة أمنية بامتياز، ليس فقط بسبب الجغرافيا، بل في السياسة أيضاً، بسبب جسر الملك فهد وبسبب التاريخ. البحرين باختصار هي جزء من الأمن القومي السعودي، مثلها مثل القطيف والحجاز والمنطقة الشرقية وغيرها». وتقول «إن خطوة دخول قوات سعودية إلى البحرين، ولو كانت ضمن ما يعرف بدرع الجزيرة، تعني أن الرياض انتقلت إلى مرحلة المواجهة. القرار كان بالدخول في 11 آذار الحالي. كان هذا الموعد الذي حدده قادة السعودية لسلطات البحرين لحل الأزمة الداخلية، وإلا فلن يكون هناك مفر من التدخل العسكري السعودي». وتضيف: «هي عملياً هجوم استباقي. محاولة لدرء خطر يرونه قادماً إلى السعودية»، في إشارة إلى الحراك الشيعي الذي يُخشى انتقاله إلى المنطقة الشرقية والمطالبة بـ«ملكية دستورية» لها أنصارها في المملكة الوهابية.
أما بالنسبة إلى التوقيت، فتؤكد مصادر سعودية وثيقة الصلة بهذا الملف أن «مبادرة الحوار وصلت إلى طريق مسدود والوضع في البحرين أصبح دقيقاً؛ هناك انقسام سني شيعي وانقسام داخل المعارضة نفسها بين من يطالب بملكية دستورية ومن يريد جمهورية وبين طرف ثالث أكثر اعتدالاً من الاثنين». وتضيف أنه «عندما يصبح الانقسام طائفياً فهذا يعني أن الوضع أصبح دقيقاً جداً، وتظهر بالتالي المخاوف من تدخلات خارجية تؤدي إلى انفجار الوضع داخل البحرين. وبناءً عليه، طلبت الحكومة البحرينية من مجلس التعاون الخليجي إرسال وحدات من درع الجزيرة إلى داخل المملكة».
وتقول هذه المصادر، رداً على سؤال عن رد الفعل الإيراني المتوقع، إن «إيران لا تستطيع أن تفعل شيئاً في هذا الموضوع، وخاصة على المستوى العسكري، أولاً لأن التدخل جاء بطلب من الحكومة البحرينية. وثانياً لأن هذا شأن يخص دولتين عربيتين وإيران ليست دولة عربية. وثالثاً لأن هذا القرار اتخذ داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي وإيران ليست من ضمن أعضاء هذا المجلس». وتضيف: «لا دليل ولا معلومات يمكن التأكد منها تشير إلى تدخل إيراني مباشر في شأن البحرين. لكن هناك معطيات وتخمينات، من مثل أن رفض الحوار جاء بإيحاء إيراني. من ينادي الآن بإسقاط الملكية وتأسيس الجمهورية، حسين مشيمع، كان حتى وقت قريب معتدلاً، وفجأة أصبح يزايد على جمعية الوفاق وأمينها العام علي سلمان».
ومع ذلك تعترف هذه المصادر بأن «السعودية ودول الخليج لن تقبل بسقوط النظام في البحرين التي تبعد عن السعودية 23 كيلومتراً. هناك مطالب إصلاحية مشروعة، وخاصة عند الشيعة. لكن كل دول مجلس التعاون فيها مطالب إصلاحية. الإصلاح مطلوب وضروري وملح، شرط ألا يأخذ صفة طائفية». وتضيف، رداً على سؤال عما إذا كان التدخل العسكري لإجهاض مبادرة ولي العهد البحريني، «لا يمكن الحديث عن إجهاض للمبادرة. من يرفضها هو المعارضة، لا أي أحد آخر. لقد أعلنت المبادرة قبل نحو أسبوعين بعد جولة قام بها ولي العهد على كل من الكويت والإمارات والسعودية حصل في خلالها على الضوء الأخضر. هناك اتفاق بين الملك وولي العهد على هذه المبادرة وقد زارا معاً السعودية. حتى الأمير نايف اجتمع مع ولي العهد البحريني وبارك المبادرة. المعارضة هي التي رفضت الدخول في مفاوضات. لماذا؟ مع أن الحكومة البحرينية اعترفت بشرعية المطالب والحوار». وتختم بالقول: «نخشى من تضعضع الوضع الأمني في البحرين، رغم يقيننا أن الأمور لن تذهب بعيداً كثيراً».