مع توافد دفعات جديدة من القوات الخليجية إلى المملكة، أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة حالة السلامة العامة (الأحكام العرفية)، الأمر الذي أدخل البلاد في حالة من الفوضى العارمة. ويتحدث البحرينيون عن شوارع مغلقة وأجواء ضبابية جراء القنابل الغازية وعصابات تعيث خراباً، واشتباكات متواصلة، حصيلتها قتيلان، جندي ومتظاهر، إضافة إلى مئات الجرحى، وتعزيزات عسكرية لم تكن قد دخلت إلى المنامة، لكن أوّل دفعة منها استقرت في مقابل مقرّ جمعية «الوفاق» في الزنج.وأصدر الملك المرسوم الرقم 18 بإعلان حالة «السلامة الوطنية» في جميع أنحاء البلاد ابتداءً من «الثلاثاء ولمدة 3 أشهر». وكلّف القائد العام لقوة الدفاع الشيخ خليفة بن أحمد اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذا القرار الملكي. وقال المرسوم: «نظراً للظروف التي تمر بها المملكة، والتي جرت فيها تصعيدات أمنية مست أمن البلاد وعرضت حياة المواطنين للخطر، ..فقد أصدر الملك المرسوم الرقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية، وفقاً لنص المادة 36 فقرة ب من دستور 2002».
وبناءً عليه، كُلّف القائد العام لقوة الدفاع تنفيذ عدد من التدابير والإجراءات الضرورية اللازمة للمحافظة على السلامة، من ضمنها: منع التجول في أماكن وأوقات معينة، إخلاء بعض المناطق، منع التجمعات المخلّة بالنظام العام، وضع ضوابط على ارتياد بعض المناطق أو الخروج منها وكذلك التفتيش والقبض على المشتبه فيهم، بحسب ما نقلت وكالة أنباء البحرين عن مدير القضاء العسكري في قوة الدفاع.
بدوره، توعد وزير الداخلية راشد بن عبد الله، بأن «الأعمال الجرمية لن تمر بأي حال من الأحوال دون محاسبة أو مساءلة». ورفضت الجمعيات السياسية السبع (الوفاق، العمل الوطني، المنبر الديموقراطي التقدمي، الإخاء الوطني، العمل الإسلامي، التجمع القومي الديموقراطي، التجمع الوطني الديموقراطي) والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين هذا الإجراء، وقالت في بيان إنها تستنكر «ما أقدم عليه النظام السياسي بإعلان حالة السلامة الوطنية»، وعدّته «تصعيداً أمنياً خطيراً واعتماداً على خيار عسكري لحل أزمة سياسية سببها النظام نفسه». وقالت إن أعمال القتل والتصعيد الأمني قد نسفت مبدأ الحوار وتركت البلاد مفتوحة لاستباحة قوات الأمن والجيش المحلي والخارجي. ودعت إلى «المقاومة السلمية واستمرار الإضراب العام».
وفي إشارة إلى تورط القوات الخليجية في الاشتباكات مع المتظاهرين، أعلن مصدر أمني سعودي أن «أحد الجنود في القوات البرية السعودية، وهو برتبة رقيب أول، استشهد الثلاثاء إثر اشتباكات مع المتظاهرين في البحرين»، بعد تعرضه لطلق ناري. لكن مصدراً في وزارة الداخلية البحرينية نفى مقتل جندي سعودي، وأعلن مقتل جندي بحريني «دهساً بسيارة يقودها متظاهر».
كذلك استغرب ناشطون مقتل جندي سعودي برصاص متظاهر بحريني، وقال رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، نبيل رجب، لـ«الأخبار»، إن «الشعب البحريني معروف أنه لا يملك أسلحة»، مرجّحاً مقتل الجندي بنيران صديقة، في إشارة إلى القوات البحرينية أو الخليجية. وأشار إلى أن هذا دليل على مشاركة القوات الخليجية في قمع التظاهرات.
وتحدث رجب عن المسيرة المتوجهة إلى مقرّ السفارة الأميركية، وقال إنها بعشرات الآلاف وعلى امتداد 3 كيلومترات، مؤكداً مقتل متظاهر بحريني. وروى نشطاء أن المتظاهرين عادوا بعدها إلى دوار اللؤلؤة من دون أن تحصل اشتباكات مع القوات الأمنية المنتشرة في محيط السفارة.
وأكّد رجب تواصل الاشتباكات في مناطق مختلفة، بينها عالي وسترة، التي شهدت مواجهات قوية وسقط فيها قتيل إضافة إلى مئات الجرحى، بحيث استقبل المركز الصحي لسترة وحده نحو 350 جريحاً. وتحدث عن عرقلة نقل الجرحى بسيارات الإسعاف عبر إطلاق البلطجية للنار عليها، فضلاً عن حالة الطوارئ في المستشفيات.
من جهة ثانية، يفترض أن تشمل حالة السلامة العامة تقييداً للحركة والحريات، وحتى ساعات المساء لم تكن التعزيزات الأمنية قد دخلت إلى العاصمة، بل انتشرت في الأماكن المحيطة بها، وكان المتظاهرون لا يزالون يسيطرون على الشوارع والطرقات ويتمركزون في دوار اللؤلؤة. ويفترض أن تعني حالة السلامة العامة سحب المتظاهرين من الشوارع، ما يعني بالتالي أن سحبهم سيكون بالقوة. وتوقع رجب أن يبدأ الجيش بانتشاره مع منتصف الليل.
إلا أن مصدراً أمنياً قال إن الشرطة بدأت بفتح الطرقات العامة التي أغلقها متظاهرون، لكنه أشار إلى أن الشرطة لن تقترب من دوار اللؤلؤة. وروى شاهد لـ«الأخبار» عن استباحة الأمن ممّن وصفهم بـ«البلطجية» الذين يطلقون النار على المواطنين، قبل أن يلوذوا بالفرار، متحدثاً عن نقص في الإسعافات والمعدات في المستشفيات بسبب استقبالها مئات الجرحى. وقال إن أول قوة عسكرية تمركزت أمام مقرّ جمعية «الوفاق» في زنج. وحالة الهلع والتوتر هذه تعيشها مختلف المناطق، والاتهامات بشنّ اعتداءات تأتي من الطرفين. وكان مدير الشؤون المالية والإدارية في وزارة العدل والشؤون الإسلامية، أحمد جاسم العكبري، قد أعلن أن متظاهرين اعتدوا على دور عبادة ومساجد، بينها جوامع الحساوي في السوق المركزي والمهزع ويتيم وبن عامر في منطقة فريج الفاضل. وذكرت صحيفة «الوسط» أن مجموعات مجهولة هاجمت خلال اليومين الماضيين محال في كل من الرفاع الغربي والرفاع الشرقي والبسيتين وشارع المعارض وعوالي. وتعرض منزل النائب عن كتلة «الوفاق» المستقيل، علي الأسود، في ساعة متأخرة من ليل أول من أمس للتهديد من مجموعات مسلحة.
وكان شباب 14 فبراير قد أعلنوا في بيان أنهم سيرفعون الحواجز الموجودة على الشارع الرئيس المحاذي لدوار اللؤلؤة. لكن شهوداً أكّدوا لـ«الأخبار» أن هذه الحواجز لم ترفع بسبب إصرار بعض الشباب على إبقائها. وأكّد بيان شباب «14 فبراير» «سلمية الاحتجاجات ورفض الاحتلال الأجنبي». وقال إن «الحواجز في الشارع الرئيسي المحاذي لدوار اللؤلؤة سيُرفَع جزء منها، تمهيداً لعودة حركة السير على الشارع» تأكيداً لسلمية الحركة المطلبية. وشدّدت اللجان الميدانية على «أنه ليس في قاموس «شباب 14 فبراير» التعرض لأمن المواطنين، وذلك من شأن بلطجية السلطة».
ووصلت الدفعة الثالثة من قوات درع «الجزيرة» المشتركة، بحسب ما أعلنت قوة الدفاع التي ناشدت المواطنين والمقيمين التعاون التام والترحيب بإخوانهم.