الوضع في البحرين لا يزال على حاله. حمّام دم في شوارع المنامة وفتنة مذهبية تجتاح غالبية دول الخليج، التي فيها وجود شيعي. إيران، البلد الأول المعني بالرسالة السعودية في البحرين، لا تزال عند موقفها الرافض للتدخل المباشر، والحريص على حل سلمي. وأطلقت منذ اليوم الأول حملة دبلوماسية مكثفة، في المنطقة والعالم. الهدف واضح: مخاطبة حكومات العالم والرأي العام العربي والإسلامي والعالمي وتأليبه على السعودية «التي لا تزال تمعن في الخطأ» باستهدافها مواطنين عزّلاً، كل ذنبهم أنهم يطالبون بحقوقهم السياسية.
والحرص واضح أيضاً على التعامل مع المعارضين في البحرين على أنهم مواطنون بحرينيون، بغضّ النظر عن انتمائهم المذهبي وإن كان معظمهم من الشيعة.
غير أن هذا الموقف، إن كان يلزم أحداً فهو إيران فقط. الأوساط الشيعية في كل مكان في المنطقة، حيث يستعر الجمر تحت الرماد، لم تستطع فهم ما يحصل إلا أنه استهداف للشيعة البحرينيين. أدلّتهم كثيرة على ذلك، بدءاً بالتغطية الإعلامية التي نالتها ثورة البحرين في الفضائيات العربية قياساً بالثورات الأخرى، إلى دخول قوات أجنبية إلى المملكة الخليجية لقمع هذه الثورة. وأيّ قوات؟ القوات السعودية التي لم تتحرك إلا ضد الحوثيين، ليس لشيء إلا لأنهم محسوبون على الشيعة. من هنا يمكن فهم هذا الاهتمام غير العادي للجهات الشيعية النافذة في المنطقة بما يجري في البحرين، والتي يبدو أنها رأت أن الوسيلة الأنجع للوقوف في وجه هذا التدخّل السعودي في البحرين، هي أن يتولّى شيعة العراق دور رأس الحربة في هذه المواجهة، نظراً إلى أن العراق، في معركة كهذه، أكثر إثارة للرعب في نفوس المعنيين في الخليج من إيران.
الاعتبارات التي فرضت هذا التوجّه عديدة، أوّلها سحب معادلة عرب وعجم من التداول لكون الطرف العراقي عربياً وخليجياً أيضاً، وجاراً للبحرين التي تفصلها بضعة أميال بحرية عن البصرة. وهناك طبعاً حساسية الكويت من بغداد إذا حركت الأولى قوات إلى المملكة المضطربة. ولا يمكن تجاهل الحدود العراقية ـــــ السعودية المفتوحة، فضلاً عن أن بلاد الرافدين لا تزال حتى هذه اللحظة الخاصرة الرخوة للأميركيين في المنطقة والتي يمكن إيلامهم من خلالها.
كذلك الأمر بالنسبة إلى مبررات التدخّل العراقي؛ فإضافة إلى التضامن المذهبي بين شيعة العراق والمعارضة البحرينية والتضامن الإنساني مع شعب أعزل يُذبح على أيدي قوّات عسكرية أجنبية، لا يمكن تجاهل حقيقة وجود جالية بحرينية كبيرة ومحترمة في العراق، خاصة في الحوزة، فضلاً عن أن الكثير من العشائر البحرينية أصولها عراقية.
مصادر مشاركة في الجهود الشيعية ـــــ العراقية في هذا الإطار ترى أن «المشروع السعودي هذا يجب أن يسقط». وتضيف «هناك شعب عربي يذبح بغضّ النظر عن طائفته، فكيف إذا كانت عملية الذبح هذه تنفّذ على أنهم رافضة»، في إشارة إلى الصفة التي يطلقها المتطرفون السنّة على الشيعة «الذين رفضوا الاعتراف بالخلافة». وتوضح أن «السعودي لم يتحرك يوماً على المستوى العسكري نصرةً لأي قضية فيها عزّة وكرامة. ماذا فعل عندما اعتدي على غزة؟ لا شيء. لم يحرك قواته إلا ضد الحوثيين وضد المعارضة البحرينية، ما يعني أنه لا يتحرك إلا من منطلق مذهبي».
وتكشف المصادر نفسها عن أنه «في إطار الوساطات المتعددة التي كانت تدور بين العائلة المالكة في البحرين وأطراف المعارضة، وهي للمناسبة تولاها أكثر من طرف، بينهم القطري والكويتي وبعض الجهات الشيعية النافذة في المنطقة، كانت مرجعية النجف تتابع عن كثب ما يجري على قاعدة البحث عن حلّ للأزمة». وتقول «في لحظة ما، طلب ملك البحرين التواصل مع المرجع علي السيستاني هاتفياً لبحث هذا الملف، لكن السيّد رفض، لا لشيء إلّا لأن العرف وتقاليد المرجعية يحتّمان ألّا تتعاطى مباشرة في الأمور السياسية ولا تدخل طرفاً في أي من الأزمات». وتضيف «عندها، طرحت صيغة يجري بموجبها التواصل بين وليّ العهد البحريني والسيد محمد رضا السيستاني، ابن السيد علي»، موضحة أن «هذا الاتصال حصل بطريقة ما، وأعطى جرعة أمل للمرجعية التي اعتقدت أنّ الأزمة في طريقها إلى الحل. لكن في اليوم التالي، دخل السعودي فجأةً على الخط وأرسل قواته إلى البحرين».
وتتابع هذه المصادر «حسبنا أن الدخول السعودي إلى المنامة، على مستوى المشروع، ليس سوى للدفاع عن الرياض، وجاء بمثابة هجوم استباقي لأي تحرك شيعي داخل السعودية. يبدو أن سلطات الرياض قدرت أن الشيعة، إذا قوي نفوذهم في البحرين، فإن ذلك سيؤثر في شيعة المنطقة الشرقية التي لا يفصل بينها وبين البحرين سوى جسر وبضعة كيلومترات. وبالتالي، فهو جاء أيضاً محكوماً بالهاجس المذهبي»، مشيرة إلى أنه «مهما يكن من أمر، فإن هذا التدخل العسكري صدّع كل الجهود الخيّرة التي كانت تُبذل لحل الأزمة البحرينية الداخلية».
وتقول هذه المصادر إن «مرجعية النجف استاءت كثيراً من التدخل العسكري السعودي ومن استهداف المدنيين العزّل بهذه الطريقة، وصدّروا في هذا الشأن بيانات تنديد واستنكار». وتضيف إن «المرجعية، بناءً على ذلك، طلبت من الحكومة العراقية استدعاء السفير الأميركي لدى بغداد (جيمس جفري) وتحميل بلاده مسؤولية كل ما يجري في البحرين».
وتؤكد المصادر نفسها أن «الحكومة العراقية قرّرت أن يتولّى نائب رئيس الحكومة حسين الشهرستاني هذه المهمة. وقد استدعى السفير الأميركي وأبلغه بما يأتي: إن السيد السيستاني، بصفته المرجعية، ونحن، الحكومة العراقية، نحمّلكم المسؤولية الكاملة عن هذا التدخل السعودي السافر واستهداف المدنيين الذين يطالبون بأبسط حقوقهم السياسية». وتضيف إن «رد السفير كان على النحو الآتي: نحن، وخاصة الوزيرة هيلاري كلينتون، مواقفنا واضحة وقد أعلنّا أننا لا ننظر بعين الرضى إلى هذا التدخّل، بل بالعكس، نحن مع الحوار ومع الشعب البحريني في المطالبة بحقه السياسي، وقد أبلغنا السلطات البحرينية بذلك، ونائب وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان موجود حالياً في البحرين لمعالجة هذا الأمر، لكن السعوديين متعنتون جداً، ولذلك عليكم أن تساعدونا وأن تضغطوا معنا على الرياض، وأنا سأنقل رسالتكم هذه إلى البيت الأبيض».
وتتابع المصادر نفسها «بالفعل، نقل السفير الرسالة إلى البيت الأبيض وجاء جواب بعد ظهر الأربعاء من الرئيس باراك أوباما يؤكد فيه المواقف الأميركية التقليدية في دعم حقوق الإنسان ورفض استخدام العنف لقمع التحركات السياسية، مع الإشارة إلى أن واشنطن أبلغت حكومات المنطقة كلها بموقفها الذي يقول إن الإصلاحات السياسية ضرورية وإنه يجب الاستجابة لمطالب الشعوب، وتعهد بأنه سيتصل بسلطات السعودية والبحرين ليبلغها بحزم رفضه لما تقوم به، لافتاً إلى أن الأميركيين تمكنوا من الحؤول دون إرسال قوات كويتية إلى البحرين».
مصادر قريبة من المرجعية أكّدت أن «السيد (السيستاني) مهتمّ جداً بما يجري في البحرين، والموضوع يأخذ الجزء الأكبر من اهتماماته. مكاتبنا أشبه بخليّة نحل، ونحن في خضم الاتصالات. المسألة لا تزال معقّدة، ومعلوماتنا أنّ الأمور ليست طيّبة. لا أفق سياسياً واضحاً، لا تزال الأوضاع متشنجة».
لا بد أخيراً من الإشارة إلى أن العديد من المعنيين في المنطقة رأوا في الخطوة السعودية تجاه البحرين محاولة لربطها بالملف اللبناني، وفق معادلة السماح بالقضاء على المعارضة البحرينية في مقابل سحب الشرعية من المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة الرئيس رفيق الحريري.
في هذا الوقت، أجرى وزير الخارجية السوري وليد المعلّم مباحثات في طهران مع نظيره الإيراني علي أكبر صالحي ومع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، فيما زار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أنقرة، حيث التقى رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان.
وقالت مصادر إيرانية معنيّة بالزيارة إنها جاءت «لتنسيق المواقف ووجهات النظر من مجمل التطورات الإقليمية، من ليبيا إلى لبنان والبحرين». وأضافت إن «السعوديين ارتكبوا خلال الفترة الماضية الكثير من الأخطاء في المنطقة، وآخر هذه الأخطاء دخولهم العسكري إلى البحرين الذي يبدو واضحاً أنه مرتبط مباشرة بزيارة (وزير الدفاع الأميركي روبرت) غيتس إلى المملكة الخليجية المضطربة، ونتمنى أن يعرفوا سريعاً أنهم يسيرون في الطريق الخطأ».
ونفت هذه المصادر معلومات سابقة عن اجتماع وشيك في دمشق على مستوى وزراء الخارجية، يضم سوريا وتركيا وإيران والسعودية والبحرين والكويت لحل هذا الملف. كذلك نفت أن تكون زيارة المعلم في إطار وساطة بين إيران والسعودية، مشيرة إلى أن رسالة الملك عبد الله إلى الرئيس بشار الأسد لم تكن تتعلق فقط بالبحرين، بل تتناول أموراً كثيرة أخرى، بينها الملف اللبناني.
وكانت مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران قد أفادت بأن «التدخل السعودي في البحرين، الذي جاء استباقاً لأي تحرك من شيعة السعودية، قد أتى بمفعول عكسي. المنطقة الشرقية في السعودية في حالة غليان، وتنتشر فيها وحدات مدرعة، وكأنها مناطق عسكرية غير معلنة، وخاصة القطيف والدمام والخبر. وقد قُطع جسر الملك فهد الذي يصل البحرين بالمنطقة الشرقية السعودية». وأضافت إن «الوضع السعودي صعب جداً. الجنود السعوديون يتحركون في البحرين وهم ملثمون»، مشيرة إلى أن «السعوديين طلبوا، في خلال زيارة الأمير عبد العزيز لدمشق، وساطة سوريا مع إيران لحل الأزمة، وزيارة المعلم إلى طهران تأتي في هذا الإطار».
وفي السياق، أفاد تلفزيون «برس تي في» الإيراني الرسمي، الذي يبث باللغة الإنكليزية، بأن المعلم حمل رسالة من الملك السعودي عبد الله إلى إيران تتعلق بالتطورات في المنطقة.
وتأتي زيارة المعلم لطهران غداة تسلّم الأسد رسالة من عبد الله، في خطوة تلاها اتصال هاتفي أجراه صالحي بالمعلم في اليوم نفسه.
وأجرى صالحي أمس محادثات هاتفية منفصلة مع نظرائه: العراقي هوشيار زيباري والكويتي الشيخ محمد صباح السالم والعماني يوسف بن علوي تناولت منع التداعيات «الخطيرة» الناجمة عن تدخل «الدول الأجنبية» في شؤون البحرين.
وكانت إيران قد استدعت في وقت سابق أمس سفيرها لدى البحرين، مهدي آقا جعفري، إلى طهران «لإجراء مشاورات مع الجهات المعنية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن التطورات الجارية في البحرين».