مع تزايد الاحتجاجات المطالبة بتنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن السلطة، تسعى الإدارة الأميركية إلى التوصل إلى حل للأزمة اليمنية، تستطيع من خلاله احتواء الاحتجاجات من دون أن تنعكس سلباً على استراتجيتها لمكافحة الإرهاب. فالإدارة الأميركية لم تعد تستطيع تجاهل مؤشرات اقتراب سقوط النظام بعد التطورات التي شهدتها الساحة اليمنية خلال اليوميين الماضيين، ولا سيما بعد انضمام عدد من كبار ضباط الجيش اليمني إلى الثورة. في المقابل، تدرك الولايات المتحدة جيداً مصالحها الإستراتيجية في اليمن، وعلى رأسها مكافحة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، ما دفعها إلى محاولة البحث عن أنجع الحلول التي تستطيع من خلالها احتواء الاحتجاجات.
ولعل الحديث الذي أدلى به وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس أمس، يشير بوضوح إلى هذا التوجه، بعدما أحجم عن الحديث عمّا إذا كان يتعين على صالح التنحي، في وقتٍ عبر فيه عن قلقه بشأن عدم الاستقرار في اليمن وتأثير ذلك في الحرب على الإرهاب.
وأكد وزير الدفاع الأميركي الخشية من انهيار الدولة اليمنية لحساب تقوية نفوذ تنظيم «القاعدة»، بقوله «إن زعزعة الاستقرار وتحويل الاهتمام عن التعامل مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو أكثر ما يقلقني إزاء الوضع».
قلق لخصه المحلل الاستخباري السابق في وزارة الخارجية الأميركية، واين وايت، بتأكيده أن تنحية صالح عن الحكم على غرار ما حدث في تونس أو مصر، ومجيء بديل جديد غير مرتبط بالولايات المتحدة، سيسبب خسارة كبيرة للولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.
هذه الخسارة تعود إلى طبيعة العلاقة التي جمعت الولايات المتحدة مع اليمن، وخصوصاً خلال السنتين الماضيتين. وهي علاقة قائمة على ركيزتين: الولايات المتحدة تبقي الحكومة اليمنية مسلحة وتتوافر لديها السيولة، في المقابل يساعد قادة اليمن في محاربة القاعدة، أو كما في كثير من الأحيان، تقوم الولايات المتحدة بهذه المهمة، من خلال الضربات الجوية التي تنفذها طائرات من دون طيار في الأراضي اليمنية.
ولأن الرئيس اليمني أكثر الأشخاص دراية بطبيعة العلاقة، سارع خلال الأيام القليلة الماضية إلى محاولة استثارة المخاوف الأميركية تجاه اليمن، ما انعكس تزايداً في المواجهات بين القوات اليمنية وعناصر من القاعدة في محافظة أبين الجنوبية، التي تعد معقلاً للتنظيم، وعودة الهجمات على الملاهي الليلية والفنادق في عدن، فيما عمل مسؤولو النظام على ترويج لمقولة إن جماعات أصولية تقف خلف الهجمات، فضلاً عن تلميح الرئيس اليمني على نحو شبه يومي إلى احتمالات اندلاع حرب أهلية في اليمن.
من هذا المنطلق، حين سُئل غيتس عما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تدعم الرئيس صالح أو ما إذا كان قد حان وقت رحيله، قال: «لا أعتقد أن من حقي الحديث عن الشؤون الداخلية لليمن»، متناسياً الدور الذي أدته واشنطن خلال الآونة الأخيرة، وتحديداً من خلال سفيرها في صنعاء، لحث المعارضة على العودة إلى طاولة الحوار وعدم اللجوء إلى خيار التصعيد في الشارع، أو تأكيد نائب مستشار الأمن القومي الأميركي بن رودس، قبيل ساعات من حديث غيتس أن الولايات المتحدة ليست معنية بتغيير النظام في اليمن وأنها تركز جهودها على تعزيز الحوار السياسي لإنهاء العنف في البلاد.
هذه الجهود كشف بعض منها أمس الموقع الإلكتروني لـ«سي أن أن»، بعدما نقل عن مسؤولين يمني وآخر أميركي، تأكيدهما وجود وساطة تحظى بدعم واشنطن، وتدور حول إمكان بقاء صالح في منصبه حتى نهاية العام، على أن تُنفَّذ خلال الأشهر المقبلة العديد من الخطوات التي تضمن الانتقال الآمن للسلطة، بما يعطي واشنطن الفرصة للبحث عن بديل لصالح من قلب النظام اليمني تضمن من خلاله مصالحها.
(الأخبار)