لم يكن رصد السفارة الأميركية في القاهرة لأجواء الشارع المصري تجاه الحرب على لبنان، أقل قيمة من متابعتها للمواقف الرسمية. المعلومات التي كانت تتلقاها السفارة من مصادرها المصرية، كانت سلبية بالنسبة لواشنطن، من دون أن يمنع ذلك استثناءات عن شعور بالسعادة العارمة بالحرب ضد حزب الله لدى عدد من إعلاميي نظام حسني مبارك.
وتتضمّن الوثائق الصادرة عن السفارة الأميركية لدى القاهرة في شهرَي تموز وآب 2006، ما يشبه الشكوى الأميركية الدائمة إزاء قلّة عدد الكتاب والمحلّلين في الصحافة المصرية الذين ينتقدون أو يهاجمون حزب الله. واللافت في هذا السياق، هو العدد الكبير من البرقيات المخصَّصة للتقارير الصحافية حول تعاطي الصحف والإعلام المصري عموماً مع حرب تموز. وهنا تعترف مضامين الوثائق بأنّ معظم تغطيات الصحف تهاجم «العجز العربي» عن إنهاء الحرب، وزيارة وزيرة الخارجية في حينها كوندوليزا رايس إلى المنطقة ولبنان، وتبشيرها بولادة «الشرق الأوسط الجديد». حتى إنّ إحدى الوثائق المؤرَّخة بـ27 تموز 2006 [06CAIRO4605] تقول إنّ «الأمر المثير للسخرية هو أنّ العديد من التحليلات والانتقادات موجهة ضد الحكام العرب وعجزهم عن إيقاف الحرب». استغراب قد يكون سببه عدم دراية السفارة بالطلاق الكلّي الموجود بين الشعوب العربية وحكامها.
وفي وثيقة أخرى تعود للتاريخ نفسه، تركّز فقرات عديدة على عناوين الصحف المصرية التي شدّدت على قوة حزب الله، في مقابل ضعف إسرائيل والولايات المتحدة، مع توقُّف عند فتوى الداعية يوسف القرضاوي بدعم حزب الله [06CAIRO4608].
ومن العناوين الصحافية التي أولتها السفارة أهمية في تقاريرها المرسَلة إلى وزارة الخارجية الأميركية وسفارات أخرى، رفْض «الحزب الوطني» الحاكم (سابقاً) طلب الانعقاد لاتخاذ موقف من الحرب الإسرائيلية على لبنان، إضافة إلى الدعوات الكثيرة لطرد السفير الأميركي من القاهرة، واستقالة الممثل حسين فهمي [06CAIRO4680] من منصبه كسفير للنوايا الحسنة للأمم المتحدة، إضافة إلى بيان «الإخوان المسلمين» المؤيّد للمقاومة في لبنان. وهنا تظهر رغبة جديدة لدى السفارة الأميركية في التقليل من أهمية التظاهرات الداعمة لحزب الله في الشوارع المصرية، بسبب الغياب الجزئي لـ»الإخوان المسلمين» عنها، «وهي أقل عنفاً من تظاهرات نادي القضاة» [06CAIRO4611]، في إشارة إلى المعركة الكبيرة للنظام المصري ضد قضاة مصر الذين رفضوا وصاية النظام عليهم خلال نظرهم بطعون انتخابات عام 2005.
عادل إمام والخراف
وفي سياق تملمُل أصدقاء الولايات المتحدة في مصر من الدعم الأميركي المطلق للحرب الإسرائيلية على لبنان، يسأل رئيس تحرير صحيفة الحزب الحاكم «الوطني اليوم» محمد حسن الألفي، مسؤولي السفارة، في وثيقة بتاريخ 27 تموز [06CAIRO4608]: «لماذا تعاملوننا ككلاب وخنازير؟ لا ألوم إسرائيل على الحرب، بل ألوم أصدقاءنا في واشنطن. أنا سعيد لأنكم تحبون وتحمون إسرائيل. نحن سنحب إسرائيل، لكن أحبّونا أنتم أيضاً». وفي الإطار عينه، لا يجد الممثل الشهير عادل إمام الذي تصفه إحدى وثائق الشهر الأول من الحرب بأنه «أحد مصادرنا»، حرجاً في سؤال الأميركيين: «لماذا تعاملوننا كخراف؟».
وبين تقارير التذمُّر من الحماسة الإعلامية المصرية المنحازة إلى حزب الله، ضدّ أميركا وإسرائيل، تضيء بعض الوثائق على «بصيص أمل» يتجسّد على سبيل المثال بأنّه حتى بيانات الجامعة العربية الداعمة للبنان، كانت تؤيّد «مقاومة الشعب اللبناني» من دون الإشارة إلى حزب الله. لكن ذلك لم يعوّض الخسائر الأميركية الناتجة عن الحرب، وهو ما يظهر في وثيقة بتاريخ 3 آب [06CAIRO4796] تعترف بأن السفارة الأميركية تخسر عدداً كبيراً من مصادرها المصرية، فالكثير من هؤلاء إما «ألغوا مواعيد مع أركان السفارة، أو باتوا غير راغبين في عقد جلساتهم معنا علناً».
سعداء بالحرب
وفي محاولة لاستعادة الروح، يشيد تقرير صحافي من السفارة الأميركية بتاريخ 7 آب [06CAIRO4840] بـ»ما نراه سعياً للتخفيف من شعبية حزب الله»، وذلك في تعليقات صحف النظام المصري وتلك التي تدور في فلكه، كـ»الأهرام» و»روز اليوسف» و»الوطني اليوم» و»الأخبار» وغيرها. وهناك دائماً ما يعوّض الخسارات عند السفارة، بدليل وجود أشخاص كرئيس تحرير «المصري اليوم» هشام قاسم، السعيد بالحرب على حزب الله. ويقول قاسم لمسؤولين في السفارة «أؤيّد السياسات الأميركية رغم الخسائر في أرواح المدنيين في لبنان. يجب أن نكون في حالة حرب مع حزب الله، وحزنتُ كثيراً لتظاهرات التأييد لنصر الله». وفي هذه الحالات، تبدو السفارة في تقاريرها الصحافية كمَن يبحث عن نقطة مضيئة وسط غابة مظلمة؛ فحين يقع التقرير على انتقاد لحزب الله أو نصر الله في الصحف المصرية، يُرفَق ذلك بعبارة «مثير للاهتمام»، وهو ما يسري على إعلان «روز اليوسف» اعتمادها الصحافي اللبناني خير الله خير الله كاتباً لديها بسبب عدائه للحزب اللبناني، وبعدما أطلق مواقف قوية ضده في برنامج سياسي على إحدى القنوات التلفزيونية المصرية خلال الحرب.
الحرب أفادت النظام
لكنّ الشكوى المصرية الدائمة من السلوك الأميركي لا تقتصر على الإعلام المعارِض وصحف النظام أحياناً، وحتى على مصادر السفارة الأميركية من الموالين للنظام، بل تطال مصادر السفارة ممن تسمّيهم وثائقها بـ»الوسط الليبرالي». وهنا تتركز الشكاوى على أمر مركزي: الحرب الإسرائيلية دمّرت الجهود الإصلاحية الداخلية المدعومة من الأميركيين على صعيد الحريات الإعلامية والفردية وإصلاح النظام السياسي والتعديلات الدستورية واستقلالية القضاء وتعدُّدية الأحزاب، بما أن المصريين أجّلوا موضوع الإصلاح والاعتراض على الحكومة، ليصبّوا جام غضبهم على الإسرائيليين والأميركيين، وبالتالي غذّوا الحقد على واشنطن التي بات دعمها للإصلاح الداخلي مصدر شكّ وريبة نظراً لصورتها المكروهة في الشارع المصري. وفي وثيقة بتاريخ 9 آب 2006 [06CAIRO4899]، يقول رئيس «المركز العربي لاستقلال القضاء»، ناصر أمين، للسفارة الأميركية ما حرفيته إنّ «حرب لبنان فرصة ذهبية للحكومة المصرية لأننا لم نعد قادرين على طلب الضغط الأميركي على مصر في الإصلاحات، لأننا سنكون عملاء بعيون الشعب».
بدورها، توضح الناشطة الحقوقية «الليبرالية» منى ذو الفقار لمسؤولي السفارة أنّ «جميع جهود الاصلاح ضاعت بسبب الحرب؛ فحتى نحن الليبراليين أصبحنا مضطرّين لدعم حزب الله».
من جهة المعارضة السياسية المصرية، وحركتها خلال الحرب والفترة التي تلت وقف إطلاق النار، تشدّد وثيقة بتاريخ 27 آب، على قوة الحملات المعارِضة ضد إسرائيل وأميركا، وإصرارها على ضرورة إلغاء اتفاقية «كامب دايفيد»، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والأميركية. وأبرز القوى المعارضة من حيث خطورتها في تلك الحملات، «كفاية» أولاً، و»الإخوان المسلمون»، إضافة إلى منظمة حقوق الإنسان. والأهم من كل ذلك، توقُّف التقرير عند تجاوب وجوه ليبرالية مع الحملة، لكن في النهاية يطمئن إلى أن «التزام الحكومة المصرية (تجاه تل أبيب وواشنطن) لا يزال قوياً».