كثّفت الولايات المتحدة، ومن خلفها دول مجلس التعاون الخليجي، اتصالاتها بالأطراف السياسية اليمنية، للتوصل إلى اتفاق على انتقال سياسي للسلطة في اليمن، بعد التيقن من أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، لن يستطيع الصمود في وجه المطالب المتواصلة بتنحيه، وانشقاقات كبار قادة الجيش، والعنف المسيطر على بعض أنحاء البلاد. وفي إشارة إلى أن الإدارة الأميركية قد تنتقل في القريب إلى المطالبة العلنية بتنحي صالح ما لم يبادر إلى التجاوب مع مطالب نقل السلطة، قالت مصادر وثيقة الصلة بالمحادثات الجارية في اليمن، إن الإدارة الأميركية منحت صالح مهلة الأسبوع الماضي للموافقة على صفقة توسط فيها سفير الولايات المتحدة في صنعاء، جيرالد فايرستاين، لضمان مخرج سلمي وانتقال للسلطة، وإلا فستدعو علناً إلى تنحيه.
وفي السياق، قال دبلوماسي في صنعاء إن «التركيز الآن لا يزال على المحادثات، وإن الدعوات العلنية للتنحي، التي جاءت حتى الآن من فرنسا لا تزال سابقة لأوانها»، مضيفاً: «الأمر يتوقف على التطورات في الأيام المقبلة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «باقي الخيارات محفوظة حالياً في الأدراج».
وتأتي هذه التصريحات غداة تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر، أن الشعب اليمني يجب أن يحدد نطاق وتيرة التغيير، وينبغي أن تلبى تطلعاته في ما يتعلق بالانتقال السلمي للسلطة، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود فجوة بين ما يقوله صالح وما يريده الشعب، وأن بلاده تسعى «في مناقشاتنا مع الجانبين لسد هذه الفجوة»، وإلى «رؤية حل سلمي للعنف والأزمة الحالية في اليمن».
ورغم مركزية الدور الأميركي في الضغط على صالح، إلا أن الأنظار تتجه بنحو رئيسي إلى السعودية، والدول الخليجية التي تخلت أخيراً عن نهج الترقب والانتظار، ورضخت لمطالب الحكومة اليمنية للقيام بمساعي وساطة مع المعارضة.
ولم يكد وزير الخارجية الكويتي، الشيخ محمد السالم الصباح، يعلن أن دول الخليج العربية دعت ممثلين عن الحكومة اليمنية والمعارضة إلى محادثات في السعودية، في محاولة لإنهاء الأزمة بعد أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، حتى سارعت الحكومة اليمنية إلى الترحيب بالخطة، رغم غياب التفاصيل، فيما انقسمت المعارضة حولها.
ورحب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اليمنية أبو بكر القربي، بدعوة مجلس التعاون الخليجي، مؤكداً أن الحكومة مستعدة «لمناقشة أي أفكار يطرحها أشقاؤنا الخليجيون لحل الأزمة»، بالتزامن مع تجديد الرئيس اليمني، أمس دعوته إلى المعارضة من أحزاب اللقاء المشترك للجلوس إلى طاولة الحوار، والابتعاد عن العنف وقطع الطرقات ومهاجمة المحافظات.
بدوره، سارع الخصم السياسي الأبرز لصالح، اللواء علي محسن الأحمر، الذي أعلن انضمامه إلى الثورة، إلى الترحيب بما أعلنه وزير الخارجية الكويتي، فيما لمّح بعض الدبلوماسيين في السعودية إلى أن الرياض تدرس إلقاء ثقلها خلف الأحمر، الذي يرجع إلى نفسه الفضل في وصول صالح إلى السلطة.
وفي السياق، قال المحلل اليمني علي سيف حسن: «يواجه السعوديون مشكلتين، إنهم لا يحبون صالح، لكن لا تعجبهم أيضاً فكرة الثورات التي تحدث تغييراً»، مشيراً إلى أنه «قد يكون محسن بديلاً».
وفيما حسم صالح والأحمر موقفهما من تأييد الدعوة إلى الحوار في السعودية، تضاربت آراء قيادات أحزاب اللقاء المشترك. وحصر المتحدث باسم اللقاء المشترك محمد قحطان، أي محادثات بترتيبات نقل السلطة وتنحي صالح. وعلّق على المبادرة الخليجية بالقول: «نحن مع التفاهمات لنقل السلطة. رحبنا وقلنا سنحضر، لكن لبحث نقل السلطة فقط»، مشيراً إلى أن «البلد لا يحتمل تأخير نقل السلطة، كل يوم يمر تهرق دماء كثيرة». وبعدما شدد على أن «المحادثات مع النظام اليمني لا تعني الحوار معه»، لفت إلى أن «الحوار الوطني لا يمكن أن يجري إلا في ظل الوضع الجديد، أي مع رئيس جديد».
في المقابل، نفى الرئيس الدوري لأحزاب المشترك ياسين سعيد نعمان، تلقي المعارضة اليمنية أي دعوة رسمية للحوار في السعودية، لافتاً إلى أن «هذه تسريبات لا أساس لها من الصحة، لأنه حتى الآن لم نتلق أي موقف رسمي من دول الخليج بعد اجتماع الأحد الماضي، وكل ما قيل هو أخبار إعلامية يسارع النظام إلى الترحيب بها بصورة مضللة، ويتحدث عن حوار ليس له أي أساس من الصحة في اللحظة الراهنة».
ولفت نعمان إلى أن المشترك طرف في المعارضة ولا يمثلها جميعاً، مشيراً إلى أن «الساحات تعج بالشباب الذين يقدمون التضحيات، وأن الدعوة يجب أن توجه لكافة الأطراف، لا للمشترك».
وبعدما أعرب نعمان عن شكر المشترك للموقف الإيجابي الذي عبّر عنه مجلس التعاون الخليجي بشأن الأزمة اليمنية، رأى أن مثل تلك المبادرات الخليجية تجاوزها الواقع اليمني. ولفت إلى أن مجلس التعاون شدد على الالتزام واحترام خيار الشعب اليمني، مشيراً إلى أن الحوار مع النظام لم يعد مجدياً بعد، وأن الشعب قد حسم أمره على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة.
بدوره، أكد القيادي في المعارضة محمد الصبري أن المعارضة لم تتلق أي دعوة رسمية للمشاركة في محادثات، معرباً عن قلقه من إمكان تقديم دعوات كهذه جرعة دعم إلى الرئيس اليمني.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)