طغى الحديث عن وجود انقسام سعودي في كيفية التعاطي مع الملف اليمني، إلى جانب الخلاف على الدور الإيراني في دعم الحوثيين، والموقف من الرئيس علي عبد الله صالح، على عدد من برقيات «ويكيليكس» الصادرة عن السفارتين الأميركية، في صنعاء والرياض، ولا سيما أن المسؤول السعودي الأول عن الملف اليمني، وليّ العهد الأمير سلطان، كان في بداية الحرب غائباً عن المملكة بسبب المرض.
انقسام سعودي بشأن دور إيران

وتظهر البرقية (09SANAA2279 ) أن عدداً من أعضاء اللجنة السعودية الخاصة بشؤون اليمن، التي يرأسها الأمير سلطان، يشكّكون في ادّعاءات صالح بشأن التدخل الإيراني ورغبته في أقلمة الصراع في صعدة. وينقل الشيخ في قبيلة بكيل محمد ناجي الشايف، الذي التقى باللجنة في منتصف أيلول ٢٠٠٩، إلى أحد الدبلوماسيين الاقتصاديين في السفارة، أن أعضاء اللجنة يتشاركون في الرأي بأن صالح يقدم معلومات كاذبة أو مبالغاً فيها عن الدعم الإيراني للحوثيين بهدف الحشد للتدخل السعودي المباشر وأقلمة الصراع.
وأفاد الشايف بأن أحد أعضاء اللجنة أبلغه «إننا نعرف أن صالح يكذب بشأن إيران، لكننا لا نستطيع أن نفعل له شيئاً الآن»، لافتاً إلى أن أعضاء اللجنة احتفظوا بشكوكهم في قدرات صالح القيادية، منذ غياب الأمير سلطان، الذي ترك فراغاً في تعامل الحكومة السعودية مع الملف الأمني اليمني، الأمر الذي أفضى إلى قرار التدخل المباشر في الصراع مع الحوثيين، لأن الملك عبد الله أكثر تقبلاً من ولي العهد الأمير سلطان لدعوات صالح بتدخل سعودي مباشر.
إلا أن البرقية، التي تتضمن تعليقاً من السفارة الأميركية في الرياض، شككت في افتراض الشايف بوجود ثقة كبيرة للملك السعودي بالرئيس اليمني، معتبرة أنه «معيب» لأن السفارة لم تر أي دليل على أن الملك السعودي لديه أي اعتبار خاص لصالح، «يتخطى السخط الذي يلامس الاشمئزاز»، ولا سيما أن المسؤولين السعوديين، الذين لا يخفون نفورهم من صالح، ينظرون إليه «على أنه الشيطان الذي يعرفونه، وعلى أنهم مضطرون إلى دعمه لإبقاء مشاكل اليمن محتواة».
في المقابل، تبدو وزارة الداخلية السعودية أكثر اقتناعاً بفكرة التورط الإيراني. ووفقاً للبرقية (10RIYADH160 )، فإن «سؤال المليون دولار هو لماذا هاجم الحوثيون الحدود السعودية، وأن الجواب الأفضل الذي تمكنوا من التوصل إليه هو أن إيران وجّهتهم للقيام بهذا، انتقاماً من الهجوم الانتحاري الذي وقع في إيران».
بدوره، رأى مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، جيفري فيلتمان، في البرقية (10RIYADH131 ) أن وزير الثقافة السعودي عبد العزيز خوجة، مقتنع بتدخل إيران في اليمن، مشيراً إلى أن السعوديين يشتبهون باحتمال أن تكون أريتريا والصومال تستخدمان كقناة للمساعدة الإيرانية، فيما أكد فيلتمان وجود اختلاف بين التقويم السعودي والأميركي للدور الإيراني.
أما نائب وزير الخارجية السعودي، الأمير تركي السعود، فتجاهل وفقاً للبرقية (10RIYADH118 ) الحاجة إلى أدلة محددة، متهماً إيران بأنها تسعى إلى القيام بدور غير مساعد في اليمن ، معتبراً أن «من الصعب تفسير كيف أن الحوثيين، بوصفهم مجموعة قبلية ضعيفة، تدبروا الحصول على الكثير من المال بسرعة جداً للحصول على أسلحة ثقيلة لاستخدامها، بغياب مساعدة البعض في الخارج».
كذلك رأى أن من الصعب تفسير التشابه المذهل بين التقنيات المستخدمة من المجموعات المؤيدة لإيران في العراق وبين الحوثيين، لافتاً إلى أن مهاجمة الحوثيين للأراضي السعودية كانت رغبة من إيران باختبار ردود الفعل السعودية.
وحده قائد القوات الجوية السعودية، الأمير عبد الرحمن بن فهد آل فيصل آل سعود، تحدث في البرقية (10RIYADH80 ) عما سماها «معلومات استخباراتية حاسمة بوجود تورط إيراني»، لافتاً إلى أنه بعد مهاجمة القوات السعودية أحد الجبال، قتل ٣٠ شخصاً على الأقل في الحادث، ونقلت جثثهم إلى أريتريا، حيث شحنت الجثث الأردنية بعد ذلك إلى الأردن، فيما نقلت الجثث الإيرانية إلى بندر عباس.
لكن الاستخبارات الحاسمة نفسها هي التي جعلت السعوديين متيقّنين في البرقية (09SANAA2279 ) من أن زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، قد قتل، قبل أن يتبيّن في وقت لاحق أنه لا يزال على قيد الحياة.

تدخل سعودي سلبي

من جهةٍ ثانية، تكشف برقيات «ويكيليكس» عن وجود قناعة لدى عدد من كبار السياسيين اليمنيين بأن التدخل السعودي في الجولة السادسة من الحرب مع الحوثيين، ساهم في إنقاذ الرئيس اليمني من مشاكله الداخلية، ووفرت له سبباً إضافياً لرفض إنهاء الحرب بسبب التمويل المتزايد الذي يتدفق عليه خلال الحرب.
ولم يتردد الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح، عبد الوهاب الأنسي في البرقية رقم (09SANAA2227 ) في التشكيك في جدية صالح بإنهاء الحرب، في الوقت الذي يزداد فيه دعم دول الخليج للحكومة اليمنية»، قائلاً «هل يريد حتى التوصل إلى حل في صعدة؟».
هذا التشكيك دفع أيضاً شيخ مشائخ قبيلة بكيل، محمد ناجي الشايف، في البرقية نفسها الى إخبار أحد الدبلوماسيين الاقتصاديين العاملين في السفارة الأميركية أن مشاركة السعودية مباشرة في الصراع مع الحوثيين كانت عامل إغاثة لصالح، ولا سيما أنه مع إعطاء الصراع بعداً إقليمياً، لا محلياً فقط، سيسعى الرئيس اليمني، الى إطالة أمد الحرب بدلاً من تقصيرها، من أجل استجلاب المزيد من التمويل العسكري السعودي وتخفيف الضغوط السياسية الداخلية.
استنتاج وافقت عليه السفارة بالقول «على الرغم من الدلائل التي كانت تشير في وقت سابق إلى استعداد صالح للنظر في حل سياسي للصراع الحوثي، فإن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن الرئيس، مستشعراً بموجة جديدة من الدعم الإقليمي وربما بعض الضعف لدى الحوثيين، ضاعف التزامه بإلحاق هزيمة عسكرية بالمتمردين». واتهمت الرئيس اليمني بأنه «رفع الخطاب المعادي لإيران، وأرسل المزيد من القوات الى ساحة القتال، وسعى إلى شراء كميات كبيرة من الأسلحة وتخزينها، وتقبّل بسرور المشاركة السعودية المستمرة».
من جهته، عاد الشايف، الذي وصف بأنه يتمتع بعلاقات شخصية وثيقة مع الرئيس اليمني ودائرته الضيقة، في برقية ثانية (09SANAA2279 )، ليؤكد أن صالح يرى أن المشاركة السعودية في الحرب سوف تخفف من الضغوط السياسية الداخلية التي تطالب الحكومة اليمنية بتحقيق مكاسب ملموسة ضد الحوثيين. وتنقل البرقية عن الشايف قوله «صالح يرى أن استمرار المشاركة السعودية بمثابة ضمان لكي تبقى «حنفية» الدعم السعودي مفتوحة، من خلال زيادة مباشرة للميزانية السعودية للحكومة اليمنية، مع ما يعنيه الدمج بين «الحوافز الاقتصادية الكبيرة المصحوبة بالتدخل السعودي المباشر من أن صالح لديه حافز لإطالة الصراع عوضاً عن التوسط للبحث عن حل، بعدما أتى التدخل السعودي في وقت مناسب تماماً له».
أما الأمين العام لحزب حق، حسن زيد، فأكد في البرقية (09SANAA2117 )، أن علي عبد الله صالح لن يقدم على إنهاء الحرب في صعدة ما دام السعوديون يوفرون الدعم والتمويل له، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن علي عبد الله صالح حاول خلال سلسلة اجتماعات معه في ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٠٩، الإيحاء بأنه يريد إيقاف الحرب، لكنه لا يستطيع، مشتكياً من أن حسن وحميد الأحمر، زعيمي قبيلة حاشد، يريدان استمرار الحرب.
ولفت زيد إلى أن صالح حتى لو أراد إيقاف الحرب، «فإن قرار وقف الحرب ليس في يدي صالح، بل في أيدي الرياض». كذلك، نقلت البرقية عن نائب مدير المعهد الديموقراطي، مراد ظافر، قوله إن التوصل إلى وقف لإطلاق النار تعقّد بسبب التدخل السعودي. فالرئيس اليمني لا يستطيع إعلان وقف إطلاق نار إذا كان السعوديون يواصلون قتال الحوثيين، ولن يكون لديه أي حافز إذا واصلت السعودية تقديم الأموال والأسلحة للحرب.
إلى ذلك، أظهرت البرقية (10RIYADH193 ) أن مساعد وزير الدفاع خالد بن سلطان، كان يسعى إلى الترويج لعدم السماح للسعوديين المقيمين على مقربة من الحدود اليمنية، الذين أجبرتهم الحرب مع الحوثيين للنزوح عن مناطقهم، بالعودة إليها.
ونقل السفير الأميركي في الرياض، جيمس سميث، عنه قوله إنه يفضّل الحفاظ على شريط بطول ١٠ كيلومترات على الجانب السعودي من الحدود كمنطقة عسكرية غير مأهولة، فيما اتهم سعد الجابري من وزارة الداخلية اليمنية في البرقية (10RIYADH160 ) الحكومة اليمنية بعدم اتخاذ خطوات جدية لمحاربة تنظيم القاعدة، مؤكداً أن السبب في ذلك يعود إلى أمل الحكومة استخدام القاعدة لقتال الحوثيين، وأن الحكومة أجبرت على اتخاذ خطوات ضد القاعدة فقط عندما رفضوا تمديد الهدنة معها.