الحدث الذي أريد له أن يُكتب باسم بلدة مارون الراس، تمدّد بالدماء إلى مساحة واسعة تدفّقت من الرأس الى مخيمات صيدا وصور وبرج البراجنة، التي حظيت بنصيب وافر من أبنائها الشهداء والجرحى. العودة الدموية من حدود فلسطين إلى مخيمات الشتات والنكبات، فاجأت الكثيرين ولم تكن في حسبان لجنة التنسيق اللبنانية الفلسطينية، التي دأبت منذ أسابيع طويلة على الاتفاق على التفاصيل الدقيقة لمسار المسيرة وتحركات المشاركين فيها. فالتنظيم الذي كان مركزياً بين حزب الله والفصائل الفلسطينية حدّد خريطة طريق حاسمة لموكب الباصات التي نقلت المشاركين، مثلما حُددت مراكز تجمّعهم. ذلك المسار استثنى على نحو حازم اعتماد الخط الحدودي من الناقورة وصولاً إلى مارون الرأس، منعا لأي حماسة غير مضبوطة قد يثيرها الاحتكاك بالحدود لمسافات طويلة.
تلك التوصيات، كانت تدرس دراسة طويلة بين قيادة المنطقة الأولى في حزب الله في الجنوب وممثلي الفصائل الفلسطينية في منطقة صور، التي تضم أكبر التجمعات الفلسطينية. وبعد البحث، حصرت المسارات للمتوجهين من صيدا وصور عبر طريقين اثنين بعيدين عن الحدود، أولهما يبدأ من بلدة البرج الشمالي والثاني من مفترق الحوش. الخريطة حددت أيضاً سياج حديقة مارون الراس حيث سيجلس الحضور وتُتلى الخطابات، بأنها الحد الأقصى المسموح به والممنوع تجاوزه للتأكيد على سلمية التحرك.
وكان الحزب قد رسم منذ أيام الطريق الى فلسطين عبر لافتات تحسب عدد الكيلومترات التي تبعد عن فلسطين، ابتداءً من جنوبي الليطاني في القاسمية مروراً بالطريق الساحلية المؤدية إلى الحدود الجنوبية. أمس أيضاً، استمر الحزب في إشرافه المباشر على سير قافلة الباصات التي واكبتها عشرات سيارات الإسعاف التابعة للهيئة الصحية الإسلامية، فضلاً عن التعاون مع البلديات التي مرت بها. أما في باحة الاحتفال في مارون الراس، فقد أخذ عناصر الانضباط التابعون للحزب أماكنهم في توزيع المقاعد والحضور، لكن اللافت، أنّه ما إن توجهت الحشود نحو الشريط الشائك في أثناء إلقاء الكلمات، حتى شغر مكان الانضباط وعناصره ولم يعد في المكان آثار لأي تنسيق أو سيطرة.
المصادر أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي كان قد أجرى في الأيام الماضية عمليات صيانة وتعزيز بالدشم، ورفع للسواتر الترابية داخل مواقعه المقابلة لمارون الراس، ولا سيما في مواقع «الصدح» المقابل للحديقة وأمامه.
مصادر المنظمين أحصت المشاركين بنحو 1700 باص وحافلة. وأشارت أوساط إلى أن حزب الله تكفّل دفع تكاليف أجرتها، علماً بأن وجبة غداء كانت في انتظار المشاركين الذين قدرت اعدادهم بما يزيد على 45 الف مشارك.
وأصدر حزب الله بيانا حول ما حصل، فوجه التحية الى أرواح الشهداء والجرحى «الذين سقطوا على طريق فلسطين وقدموا أرواحهم غالية من أجل تأكيد حقهم في العودة إلى أرضهم المحتلة».
وحيّا الشعب الذي يقدم التضحيات من مارون الراس إلى داخل فلسطين المحتلة والجولان «ما يؤكد الحضور العميق لهذه القضية في وجدانه بعد مرور ما يزيد على ستة عقود من عمر النكبة». وأدان البيان «الهمجية الإسرائيلية التي تمثلت بقتل المحتجين من خلال توجيه الرصاص الى رؤوسهم وصدورهم».
ولم يخلُ يوم أمس من مشاركة قوات اليونيفيل، التي اتصل قائدها الجنرال البرتو أسارتا بقادة الأطراف المعنيين، داعياً إلى «أقصى درجات ضبط النفس للحيلولة دون وقوع إصابات أخرى». وفي بيان صادر عنه رأى أنّ «من الضروري اتخاذ خطوات فورية ملموسة تتعلق بالأمن على الأرض»، وأكد أن اليونيفيل «تحافظ على وجود قواتها على الأرض لدعم الجيش اللبناني بموجب القرار 1701». وكانت طائرات أُممية قد حلقت فوق المعتصمين في مارون الراس «للمساعدة على المراقبة من الجو لمناطق تقع على طول الخط الأزرق».