بين المخرجين الكبار الذين عمل معهم نور الشريف على امتداد نصف قرن، و200 فيلماً، من حسن الإمام إلى سعيد مرزوق، مروراً بعاطف الطيّب وداود عبد السيد ومحمد خان، يبقى لقاؤه السينمائي بيوسف شاهين استثنائيّاً. إذا كان النجم الإيطالي مارتشيللو ماستروياني بالنسبة إلى المايسترو فدريكو فلليني، بطله المضيء وصنوه ومجسّد شخصيّته في فيلم «ثمانية ونصف» تحديداً، فإن النجم المصري نور الشريف جسّد بمهارة نادرة صورة المعلّم يوسف شاهين على الشاشة، في «حدّوتة مصريّة» (1982)، الجزء الثاني من ثلاثيته البيوغرافيّة (بين «إسكندريّة ليه؟» و«اسكندريّه… كمان وكمان»).
تقمّصَ نور، بأداء مدهش، شخصيّة المخرج الكبير، بالنظارتين الشهيرتين والسيجار الأبديّة، في مرحلة النضج الفنّي والسياسي: شاهين رجل الرهانات الطموحة، والخيارات القوميّة الجذريّة التي لازمته حتى الرمق الأخير. هذا النفس النضالي نفسه، طبع مسار نور الشريف الذي كنّا نجده داخل مصر وخارجها، على خطوط المواجهة في كل المبادرات التضامنيّة والتحركات الشعبيّة. تحديداً قضيّة فلسطين: «ناجي العلي» عاطف الطيّب (1992) الذي كلّفه الكثير، وقبلها بعامين مسرحيّة «القدس»، على سبيل المثال… وأيضاً فكرة الممانعة ومواجهة الاستعمار التي كانت ذروتها دوره في سجن أبو غريب العراقي («ليلة البيبي دول»، عادل أديب/ 2008). وبعد خمسة عشر عاماً، حين خاض يوسف شاهين معركة العقلانية والتنوير، والمد التكفيري في بداياته، لم يجد أفضل من نور الشريف لتأدية دور ابن رشد على الشاشة، فكان فيلم «المصير» الذي يعد ذروة في مسيرة يوسف شاهين السينمائيّة.