تتقدم صورته مع البطريرك نصر الله صفير كل الصور الأخرى على طاولة صغيرة في «مكتب المحامي سيمون كرم». تتقاسم جدران المكتب المفتوح للشمس الكتب (غير القانونية في معظمها)، ولوحات ألوانها صيفية. حين انقلب الثوار على «ثورة الأرز» قرر سيمون كرم الانسحاب. حفظ نفسه.يعجز الجزينيّ، القريب من البطريرك المتقاعد، عن إيجاد التعبير المناسب بدقة لوصف تصاريح البطريرك الجديد بشارة الراعي في باريس. الرجل يحتاج، وفقاً لكرم، إلى مزيد من الوقت لـ «يتعلم مصلحته الجديدة». دوره اليوم يختلف عن دوره السابق كمطران. كان كرم يتوقع «بعض التعابير غير الدقيقة»، ولا سيما أن الراعي ألزم نفسه، منذ انتخب بطريركاً، بعمل كثيف، شبه استثنائي. وهو بات فجأةً حاضراً في جميع الأمكنة. ربما، يقول كرم، لم تُعدّ زيارته إلى باريس جيداً، لكن لأنها باريس، يتابع السفير السابق، هناك قابلية استيعاب. وقد سارعت فرنسا إلى احتواء التمايز أو التناقض الذي ظهر بين موقفها وموقف بطريرك الموارنة. بطريرك الموارنة هو الشخصية المعنوية الأقرب في الشرق كله إلى فرنسا. يسرد كرم الكثير من التفاصيل عن تلك العلاقة القائمة بين بكركي وباريس. يستصعب تذكر يوم قال فيه بطريرك الموارنة لا لفرنسا. البطريرك صفير، الذي لام نفسه خمسة عشر عاماً لموافقته الإدارة الأميركية عام 1988 على اقتراح أسماء مرشحين مقبولين إلى رئاسة الجمهورية، وجد نفسه يكرر الخطأ نفسه عام 2007. لماذا؟ لأن فرنسا طلبت ذلك، ولا يجوز رد طلب «الأم الحنون». هكذا يأخذ كلام الراعي في باريس بعداً إضافياً، فهو عبّر عن رفض ماروني للسير في خطط فرنسا للمنطقة.
يتوقف كرم عند نقطتين أساسيتين في كلام الراعي. يرى أن الأخير بادر، من تلقاء نفسه ومن دون أن يطلب حزب الله ذلك، إلى إعطاء الحزب دعماً معنوياً كبيراً، ومن دون مقابل. وفي رأي كرم، فإن حزب الله «مصاب اليوم بالتخمة، والطعام الإضافي يضرّه صحياً أكثر بكثير مما يفيده». «كبد الحزب معطل» بحسب كرم. والغذاء يتحوّل، في هذه الحالة، إلى «كولسترول» و «تريغليسيريد». أما كلام الراعي بشأن الأكثرية السنية في المنطقة، فلم يكن موفقاً. لأن «الموارنة يتذكرون أهل الشام وحماه وحمص يهتفون عام 1958: المعوشي حبيب الله. هم الذين هتفوا قبلها للبطريرك عريضة حين اختلف مع سلطات الانتداب بشأن مونوبول الريجيه».
يتوقف كرم، وهو أحد المؤسسين للقاء قرنة شهوان، عند المقارنة الدائمة لمسيحيي سوريا بمسيحيي العراق. يرى أن مسيحيي البلدين انخرطوا في منظومة الحكم في بلديهما، فجرى تمييزهما عن المجموعات الطائفية الأخرى، لكن بعد سقوط النظام العراقي، دفع المسيحيون ثمناً باهظاً لذلك. هذه التجربة توفّر لكرم درساً يفترض وجوب أخذ العبر منه. لا يمكن أبداً تبرير الجرائم التي حصلت أو وصفها برد فعل، لكن موقف المسيحيين في العراق أوصل إلى هذه النتيجة. «عبثاً يبحث البعض عن ضمانات في ظل نظام قمع»، يقول كرم.
وينتهي السفير السابق إلى التأكيد على أن دور البطريركية المارونية الأساسي وقضيتها الرئيسية هما البحث عن ضمانات لمسيحيي الشرق، إيجادها وتطبيقها. وتتوافر هذه الضمانات «عبر الانخراط أكثر في هموم المنطقة والتفاعل مع اتجاهاتها السياسية الكبرى. دعم حركات المقاومة المحقة، كما فعل البطريرك صفير عام 1996، إثر زيارة سرية قام بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لبكركي أثناء عملية عناقيد الغضب. وأخيراً التمسك بالتفاهم مع فرنسا».
الراعي يحاول، وفقاً لكرم، لكن المحاولة «تحتاج إلى مزيد من الدقة والذكاء في الصياغة والتحضير». هي ليست نهاية الكون، يشدد سيمون كرم.